حسب إمكانياتهم.. شعراء وإعلاميون ومخرجون يساهمون بتخفيف آلام المنكوبين
نجوى صليبه
في تحقيق سابق أجريته تحت عنوان “المثقّف بعيداً عن مسؤوليّاته الاجتماعية والثّقافية”، تحدّثت والأدباء المشاركين عن الدّور الاجتماعي الذي على المثقّف أن يؤدّيه، ولم أعلم يومها أنّ حدثاً لا تقلّ قسوته عن قسوة سنوات الحرب والسّنوات التي تلتها بكلّ تبعاتها، سيفتح جراح الفقد والألم من جديد ويحزّها مجيئاً وذهاباً.. فاجعة كبيرة سببها الزّلزال الذي ضرب البلاد منذ أسبوعين، تلقّفها أهل الثّقافة والإعلام والأدب والفنّ كلّ على طريقته، وبكثافةٍ قد تدحض بعض الأفكار التي وردت في التّحقيق، على الأقل فيما يخصّ دور المثقف خلال الأزمات، وكما ذكرنا في مقال سابق بعض القصائد التي تعكس هول الفاجعة، نلقي الضّوء، اليوم، على بعض المبادرات التي أقامها أو شارك فيها شعراء وفنّانون وإعلاميون، سواء واقعياً أم افتراضياً.
“دفاكم دفانا” مباردة أطلقها الكادر الإدراي والتّربوي في مدرسة “سامي الدّروبي”، شاركت فيها الشّاعرة والمدرّسة إيمان موصللي واقعياً وافتراضياً، حيث حرصت على الإعلان عن المبادرة ونشر صور المتطوّعين من داخل المدرسة وخارجها من معارف وأصدقاء على صفحتها على الـ”فيسبوك”، توضح: المبادرة أطلقها طلّاب مدرستنا تحت إشرافنا، حيث تبرّع كلّ طالب بقطعة ثياب يحبّها ويرتديها لكي يشعر ويحسّ بالغير ويقف معه، وقام الطّلاب أنفسهم بتنظيم وفرز هذه الملابس وحملها وتوصيلها إلى الجهات المشرفة، مضيفةً: مبادرة تدلّ على أنّ طلّابنا هم عصب الوطن وحسّه العالي وأنّ وطنيّتهم متأصّلة فيهم، وأستطيع أن أجزم وأقول إنّ الانتماء الوطني بخير، فالإنسانية كانت حاضرة والشّعور بدمٍ سوري واحد على مختلف المحافظات كان الدّليل الأكبر على وحدة ترابنا العربي السّوري.
بدوره، يحاول المخرج يزن نجدت أنزور مساعدة المنكوبين والمتضررين من الزّلزال عبر صفحته الشّخصية على الـ”فيسبوك” من خلال نشر أخبار خدمية وطبية وأخرى تحذيرية ونداءات استغاثة، يقول: أتمنّى من كلّ قلبي أن أساعد النّاس وأفيدهم، لذلك أحاول وعن طريق متابعي صفحتي أن تصل رسائلهم ومعاناتهم وحاجاتهم، وفي الوقت ذاته أسعى إلى تقديم أعمال فنّية من الممكن أن تدعم ولو بشكل بسيط تطلّعات الإنسان السّوري وتلقي الضّوء على همومه وعلى الأمور السّلبية والإيجابية التي تحصل، وقريباً سيكون هناك أشياء جديدة سأتشاركها مع متابعي صفحتي، مبيناً: أنا لست حكماً لأحكم على نوايا النّاس، لكن أحياناً هناك تصرفات مسيئة وتسبّب الضّرر بسورية، وللأسف هناك جهات تستغلّ الأزمات لتخلق ثروات فاسدة، وهناك جهات لديها أجندات تريد دسّها في المجتمع، لذا على الإنسان المثقّف أن يكون واعياً وصاحياً ليكشف كلّ ذلك، لأنّه إذا فقد حسّه الوطني سيتحوّل إلى خنجر يطعن فيه وطنه عوضاً عن أن يكون سيفاً بيد وطنه.
وكذلك فعلت الشّاعرة والصّحفية سنا الصّباغ التي دأبت منذ اللحظات الأولى للزّلزال على نشر معلومات على صفحتها الشّخصية على الـ”فيسبوك” حول حاجات المدن المنكوبة من آليات لرفع الأنقاض عن الأهالي، وحاجات العائلات التي فقدت منازلها من مأكل وملبس وحليب أطفال ووسائل تدفئة، تقول: عادةً وعبر صفحتي الشّخصية على الـ”فيسبوك” أنشر أخباراً محلية وثقافيةً، وأضع متابعي صفحتي، الذين وصل عددهم إلى الـ17 ألف متابع بصورة الوضع دائماً، وفي هذه الكارثة فكّرت كيف يمكن أن أساعد أهلي المنكوبين في هذه المناطق وأنا هنا في دمشق عاجزة عن السّفر إليهم ومساعدتهم على الأرض، فقررت أن أستمر بنشر الأخبار الخاصّة بالزّلزال منذ اللحظة الأولى وبشكلٍ مكثّف، وقلت يكفي أن تصل هذه الأخبار إلى نصف عدد متابعي صفحتي، وتابعت كلّ حدث أو طارئ أو حالة نزوج إلى دمشق وريفها، وفي منطقتي صحنايا قمنا بالتّشبيك مع المجموعات التّطوعية مثل “بصمة شباب سورية” والهلال العربي السّوري، وتمّ تأمين مسكن لمعظم العائلات القادمة من اللاذقية وجبلة وحلب، وتابعت هذه الحالات على الأرض بنفسي، مضيفةً: لقد أثبت الشّعب السّوري، مجدداً، أنّه قادر على التّكاتف والتّعاون والإيثار، لكن لا أريد لأحد أن يسأل: ماذا تفيد الألف ليرة مقابل الملايين التي يقدّمها الآخرون؟ أو ماذا تفيد علبة حليب مقابل شحنة؟، فكلّ ما نقدّمه مؤثّر وفاعل ويشكّل فرقاً، وما فعلناه خير دليل على ذلك، فنشر الأخبار على الـ”فيسبوك” أنقذ عائلات وأطفالاً من الموت برداً أو جوعاً.
صحفيون كثر لم يقفوا عند دورهم المهني، فبالإضافة إلى نشر الأخبار والمعلومات والجهات الأهلية المستعدّة لتقديم خدماتها، أعلنوا عن فتح بيوتهم أمام العائلات المنكوبة واستضافتها أيضاً حتّى تأمين مسكن دائم لها، ومنهم الصّحفي حسن يوسف فخور الذي يتحدّث عمّا فعله الزّملاء بشكلٍ عام، يقول: تتلخص مهمّة الصّحفي بنقل الأحداث والإضاءة على المشكلات والقضايا الإنسانية، وإن كان غير مطالب بإيجاد الحلول وفق قواعد العمل الإعلامي، لكنَّ الفطرة الإنسانية غالباً ما تسيطر على الإنسان، ولاسيّما في الحروب والكوارث التي تهدّد بلاده وأهله، لذلك فإنّ بعض الزّملاء لم يكتفوا بنقل آخر أنباء الكارثة وإحصاء الضحّايا والخسائر المادية، فتركوا مواقعهم في وسائلهم الإعلامية، ونظّموا حملات تبرّع عينية ومادية، وأشرفوا على إيصالها إلى مستحقيها، والبعض الآخر نظّم فرقاً تطوعيةً لانتشال الضّحايا من تحت الرّكام، أمّا الذين لم يستطيعوا ترك مواقعهم، فنظّموا حملات تبرّع بالدّم، وحوّلوا صفحاتهم الشّخصية والعامّة إلى مؤسساتٍ اجتماعيةٍ نشطة، لقد شكّل هؤلاء الصّحفيون رديفاً عظيماً للمنظّمات الإنسانية، وخليةً أزمةٍ رديفةً للمؤسسات الحكومية، وقدّموا ثقافتهم ومهنتهم وجهودهم في إيصال معاناة السّوريين إلى العالم، إضافةً إلى سعيهم للتّخفيف من مصاب أهلهم على اختلاف مناطقهم وتوجّهاتهم السّياسية والفكرية والعقائدية، كلّ ما يفعله الصّحفي السّوري، اليوم، هو فعلٌ طبيعي تقوده الفطرة الإنسانية نحو الدّفاع عن البيئة التي ينمو الإنسان فيها إذا ما فسّرنا نشاطه فلسفياً، لكن جهوده التي يبذلها بكلّ المقاييس أمرٌ عظيمٌ يجب أن يؤرّخ لكي نقول لأبنائنا إنّنا نملك تاريخاً حديثاً مشرّفاً غير ذلك الذي كرّسته الحرب خلال السّنوات الماضية، لكي نستطيع أن نقول لهم هذه سورية التي أورثناها لكم.. ما قدّمه بعض الزّملاء خلال الكارثة يجب توثيقه كمرحلةٍ مهمةٍ من نهضة الصّحافة في سورية، كلّ ما ينقص جيلنا المتحمّس لكلّ ما فيه خير لهذه البلاد هو الفرصة التي يستحقها والتّوجيه والتّدريب المهني الصّحيح، تفادياً للعثرات والأخطاء وانحراف البوصلة عن المهنية إلى الـ”ترند”، هذا المرض الذي فرضته وسائل التّواصل الاجتماعي.