مجلة البعث الأسبوعية

الزلازل.. كيف نفسر صمود بعض الناجين لأطول فترة؟!

“البعث الأسبوعية” ــ لينا عدره

فجأة، في خضم الخوف والرعب، لحظات من الفرح الشديد.. بعد أيام من الزلزال يتم العثور أحياء، أو باقين على قيد الحياة. على امتداد الأيام العشرة الأولى، كان يمكن انتشال أطفال أو أمهات أو آباء بعد قضاء عشرات الساعات في البرد والزمهرير، محاصرين تحت الأنقاض. كنا نشعر بالذهول ونحن نتابع على شاشات التلفزة كيف كان يركض رجال الإنقاذ بأحد الناجين وهم يحملونه إلى سيارات الإسعاف..  يبدو الأمر أشبه الجنون، كما علق أحد أطباء الطوارئ، مضيفاً أن الأمر يصبح مقبولاً ومعتاداً مع مرور الزمن ومع تزايد الخبرة العالمية في التعامل مع الزلازل، وهو ما شهدناه بشكل ملحوظ بعد الزلازل في نيبال، في عام 2015، وفي هايتي في عام 2010، وفي إيران في عام 2003.

 

كيف يمكن لهذه المعجزات أن تستمر طويلاً في مثل هذه الظروف؟

في الواقع، يعتمد الأمر على عدة عوامل، بدءاً من مستوى الإصابات: الضحايا المحاصرون المصابون، الذين يفقدون الدم، لديهم فرصة ضئيلة للبقاء على قيد الحياة للأسف. ومن ناحية أخرى، يمكن للضحايا العالقين، ولكن غير المصابين، البقاء على قيد الحياة فترات أطول.

يمكن للهواء أن ينتشر عبر الأنقاض، وحتى في الجيوب الخرسانية الضخمة. يقول أحد الناجين: كنت هادئاً. كنت أعرف أنني سأنجو.. صليت.. كان من الممكن أن أتنفس تحت الأنقاض. ومع ذلك، كلما مرت ساعات أكثر، زادت مشكلة الجفاف.. وهنا يشير المسعفون إلى أن جميع الناجين كان لديهم فرصة مشتركة، على المدى الطويل، في الوصول أو العثور أو التعامل مع مصدر للمياه، مهما كان ضعيفاً. وحقيقة أن الأمطار كانت قد هطلت بغزارة قبيل الزلزال مباشرة، أو أن الزلزال حدث مع  هطول غير مسبوق للأمطار، أنقذت الأرواح، فق تمكن الضحايا من شرب المياه التي كانت تتدفق.

أيضاً، بدون القدرة على الحركة، سيبدأ جسم الإنسان في الخمول والتباطؤ، وستقل احتياجات الضحايا من الطاقة قدر الإمكان، الأمر الذي سيعطي المحاصرين تحت الأنقاض القدرة على الاستمرار في مثل هذه الظروف القاسية، رغم أن ظروف الشتاء ق تجعل الوضع أسوأ بكثير، إذ تنخفض الحرارة أحياناً إلى 4 درجات مئوية تحت الصفر في الليل.

 

أهمية الصلابة العقلية

في محاولة تفسير قدرة الناجين على الثبات خلال فترات احتجاز طويلة، غالباً ما يتم التقليل من عامل مهم للغاية، وهو مستوى اليقظة الذهنية لدى المحاصرين.  وغالباً ما يستذكر تاريخ الزلازل الحديثة تلك السيدة من هاييتي التي خرجت حية بعد ثمانية أيام قضتها تحت الأنقاض، في عام 2010.. لقد شرحت للأطباء أنها كانت مصممة في قرارة نفسها على البقاء على قيد الحياة، وأنها كانت تصلي كثيراً، وأنها تعلم أن رجال الإنقاذ سيصلون في النهاية.. كان لديها عقل فولاذي!!.. “كنت مستلقية على الأرض في الظلام دون أن أكون قادرة على الحركة، لكن كانت لدي مساحة كافية للتنفس.. أمضيت الأيام دون طعام أو شراب”.

يروي أحد الناجين أيضاً أنه حاول شرب بوله بعد يومين على وجوده تحت الأنقاض، لكن الطعم لم يكن مستساغاً على الإطلاق، فاستسلم.. ويتابع قائلاً: “كنت فقط أدندن وأصلي وأطلب المساعدة”، مؤكداً أن إيمانه ساعده على الصمود خلال هذه الساعات الطويلة تحت الأنقاض.. “إيماني هو الذي أنقذني.. والإيمان نفسه هو الذي جعلني أستمر طويلاً دون أن آكل أو أشرب. وحيث كنت، ظللت أكرر لنفسي هذه العبارة المليئة بالأمل: “لن أموت.. يجب أن أعيش لأخبر الناس عن هذه التجربة”.

 

خطر “متلازمة سحق”

هناك حقيقة أخرى أيضاً وهي أن لا شيء يضمن البقاء بعد الحقيقة، فأولئك الذين تم إنقاذهم من تحت الأنقاض يمكن أن يموتوا، على وجه الخصوص، بسبب “متلازمة السحق”.

يقول الدكتور جيتري ريجمي، من برنامج الطوارئ الصحية العالمية التابع لمنظمة الصحة العالمية: “تحدث هذه الظاهرة بشكل متكرر أثناء الكوارث، مثل الزلازل، لدى الأشخاص الذين حوصروا تحت حجارة البناء المتساقطة أو المتحركة”.

بعد إزالة الأنقاض، تنتج الأعضاء المتكسرة بالفعل سموماً تنتشر في جميع أنحاء الجسم. وقد تعتمد العواقب على مدة وشدة الضغط، وقد يكون هناك اضطرابات في ضربات القلب، وبالتالي إمكانية حدوث سكتة قلبية، وبالتالي الموت.

ويمكن أن يؤدي ذلك إلى انسداد الكلى، ما يؤدي بالتالي إلى الفشل الكلوي الحاد الذي يتطلب غسيل الكلى لتنقية الجسم. ويمكن أن يتسبب ذلك أيضاً في تلف العضلات والنهايات العصبية.

أخيراً.. فإن من الطبيعي أن نشعر بالسعادة للناجين الذين تم العثور عليهم في سورية وتركيا، وبشعور متجدد بالامتنان للمنقذين الذين خاطروا بحياتهم من أجل الضحايا والمنكوبين، ومن أجلنا أيضاً.