القدود الخيرية في مولوية معرض تشكيلي
حلب – غالية خوجة
وتظلّ حلب مشرقة بالأرواح المعطّرة بالصبر والإيثار والنصر، وتظلّ الحيوية الإنسانية النبيلة أحد القدود والموشحات في الشهباء التي تفاجئك بكرم صغيرها وكبيرها ومحتاجها، وكأن هذا التضامن أحد الموشحات الفلكلورية والقدود الحلبية التي أنشدها أيضاً أول معرض فني خيري تكون عائداته لمصلحة منكوبي الزلزال، أقامه تشكيليو حلب في صالة الأسد للفنون الجميلة بمشاركة 31 فناناً وفنانة، وتميّز بحواس الألوان المستشعرة للآلام ومعاناة السوريين بين مخلفات الحرب والكارثة الارتجاجية، وأتت الأعمال لتروي قصصاً تعبيرية وواقعية وتجريدية ورمزية وخطية، تصف الحياة بتحولاتها المختلفة بين الرماد المزدهر بالإرادة والتفاؤل والنهوض من جديد.
مبادرة ستتكرر مع مزاد
يقول محمد يوسف مولوي رئيس فرع حلب لاتحاد الفنانين التشكيليين: إنها المبادرة الخيرية الفنية الأولى في حلب وتضمّ أكثر من 50 عملاً، وسنكررها، لأن فناني حلب عاشوا ويعيشون ويتعايشون مع هذا الواقع الحياتي ويوثقونه بمختلف مجالاته وهواجسه ومعاناته وأحلامه المتأرجحة مع الحرب والانتصار والزلزال والإنسانية. ولفت إلى أن الفنانين مستعدون لإضافة لوحات أخرى في حال تمّت المبيعات وتمّ الاقتناء وبأسعار مفتوحة، وتابع: واثقون برجال الخير والتّجار والصناعيين وكلّ من تشاء إنسانيته المساهمة في هذه المبادرة.
ألوان الأعماق
تموج الأعمال بالنبضات الداخلية المشتركة لملحمة الإنسان السوري المعاصر، ومنها لوحتان للتشكيلي إبراهيم داود ترصدان بألوان الأعماق محاولة الخروج من الأنقاض أثناء الحرب والزلزال، وذلك بعد الاندغام مع حكايات الأرض بين اضطراب واستقرار وصمود تعكسه الأيادي المستغيثة في اللوحة الأولى وتكمله شخصيات اللوحة الثانية بحضوره الظلالي.
أمّا عن هذه المبادرة، فأكد داود أنها تعبير عن تضامن الفنانين التشكيليين في حلب مع المنكوبين، وهي حالة إنسانية تعكس اللهفة والتجاوب السريع للمشاركة كعربون محبة.
وكعادتها تصرّ لوحات التشكيلي صلاح الخالدي على التمسّك بالأمكنة الأثرية لحلب القديمة ومعالمها، بألوان معتّقة بالزمن وتلاوينه وإيقاعاته المتنوعة، لكن، لماذا؟ أجابنا: حلب مدينة الجمال والحبّ وقلعتها الصامدة تجمعنا وترمز لحضارتنا المحلية والإنسانية ولمحبتنا المضادة للغزاة والظلاميين والزلازل، وجمالها يعكس جمال الإنسان.
التشكيلية إيمان سليمان، الدكتورة في الاقتصاد، تهتمّ بالمرأة كإنسان له دواخله وأبعاده النفسية: عبّرتُ عن الواقع الاقتصادي والاجتماعي بلوحتي من خلال 3 نساء تحكي عن الزمن المعاصر وكيفية النظر إلى الحياة ضمن فترتين زمنيتين تأريخيتين، لكنهن ينظرن إلى المستقبل بعيداً عن الحياة القديمة.
التشكيلي جوزيف توتنجيان: أشارك بعمل ينوس بين المجسّم والمنحوتة لأعبّر عن حالة الولادة الرمزية تحت الأنقاض، والتي ارتكزت فيها على بيت شعري من رباعيات الخيام كتبته على الغلاف الشفاف الذي يحضن هذا الجنين ليجعلنا نرى إرادة الحياة المتناسلة من المآسي، رغم أننا مهما قلنا كلاماً وفناً فلن نقارب الواقع الأليم الذي فاق كلّ تصوّرٍ وخيال، لكنّ الإنسان بالإرادة قد ينجو، وخاصة الإنسان السوري المعتاد على أن يكون فينيقاً ينهض من الرماد.
أمّا الفنانة الطبيبة بريفان سيدو المشاركة لأول مرة في معرض، فأكدت أنها اعتمدت التركيب اللوني الفسيفسائي الأقرب للتنقيط، لأنها تريد أن تبثّ التفاؤل والحيوية في لوحتها الراقصة بالمولوية بين أدوات موسيقية ودراويش يعبّرون عن حالة الإنسان السوري المتمسّك بأشعة اللون الأصفر وتدرجاته كطاقة ممتزجة مع الألوان الباردة وتدرجاتها وتشابكاتها في حركة الابتهال.
وكان للفنانة وجدان إبراهيم طريقة أخرى للتعبير عن هذا الواقع بصورة واقعية لامرأة تقضم الأسلاك الشائكة بأسنانها، معتبرة أننا نقضم القيود وندافع ضد الحرب والمآسي ونظل متفائلين، وأكدت: حتى الأطفال عاشوا ويعيشون هذه الظروف الصعبة ولكنهم يحاولون الخروج من أسلاكها ومسافتها الضيقة.
الأفق المتفائل
وضمن تجربته الحروفية نلاحظ أن التشكيلي خلدون الأحمد يشارك بلوحتين اعتمدتا على 3 ألوان وتدرجاتها الأبيض والأسود والأحمر لتعكسا حالة الأفق الأحمر وتأثيراته على الإنسان المتفائل بحروف عربية بيضاء، تشكّل مع التفاصيل الأخرى التضافر الجمعي والهالات الناتجة عن كلّ من الألم والأمل اللذين رآهما الأحمد حالة تجمعنا بمثل هذه المبادرة، مضيفاً: نتمنى السلامة والخير لوطننا الغالي، ورحم الله الشهداء، والشفاء العاجل للمصابين.