ماكرون ينصاع للجوقة الغربية بملء إرادته
هيفاء علي
في مؤتمر ميونيخ للأمن الدولي الذي انعقد في الفترة من 17 إلى 19 شباط الجاري، ألقى ماكرون كلمة إنشائية، بحسب المحللين الفرنسيين الذين انتقدوا فحوى الكلمة لضعفها، وتضمينها الهجوم على روسيا، حيث أشار فيها إلى أن النموذج أحادي القطب في العالم المعاصر ليس غير مقبول فحسب، بل إنه مستحيل أيضاً، كما حذر من مخاطر توسع الناتو، بحيث بدا وكأنه يتولى ما كان يكرره رؤساء الدول الأوروبية منذ الخمسينيات عن الحاجة إلى وجود أوروبا للدفاع.
كانت تلك التصريحات بمثابة صفعة ليد المستشار الأعلى للحكومات الفرنسية منذ وصول فرانسوا ميتران إلى السلطة في عام 1981، وزير الداخلية السابق في عهد كوتي، وهي الحكومة التي قررت إبادة خمسة وأربعين وطنياً جزائرياً حتى عام 1957، إذ كل ما يقوله هو عكس ما يفعله بخبث، ومن ثم يتحدث عن جرائم الحرب ويكررها، ولا أحد يعلم ما هي جرائم الحرب التي يتحدث عنها، إنها مجرد ثرثرة يقدمها إلى السلطات الدمى في أوكرانيا التي تولت السلطة منذ انقلاب 2014، الذي خطّطت له القوى الأوروبية الأمريكية نفسها التي قتلت المدنيين بالعشرات في دونيتسك في دونباس يومياً وبدم بارد، عدا خططها العسكرية الرامية لتدمير الدول السيادية للسيطرة على عالم مكوّن من مناطق يسكنها بشكل أساسي ضعاف.
هذه القوى نفسها تتحدث على الدوام عما تسميه تغيير النظام، وهنا يتساءل المحللون الفرنسيون: ولكن ما التغيير؟ ومن الذي يجب أن يتولى القيادة؟ ومن هو القائد؟، ومن يستطيع تنفيذ هذا التغيير في النظام؟ إنها تريد “هزيمة موسكو”، ولن يكون هذا موقف فرنسا أبداً، ذلك أن ماكرون هو في الأساس محاسب قانوني وقد أخذ النصيحة والاستشارة في وزارة الخارجية من قبل متخصصين من روسيا تم تدريبهم على ماجستير إدارة الأعمال الأمريكية.
وها هي ماريا زاخاروفا، المتحدثة باسم الخارجية الروسية، تردّ على تصريحات ماكرون على قناتها على “تلغرام” بأربع نقاط اساسية، أولها أن هذا الموقف لم يكن موقف فرنسا أبداً ولن يكون، فلم تولد فرنسا مع ماكرون وبقايا نابليون التي ما زالت الدولة الفرنسية تتباهى وتفتخر فيها. وثانيها أن فرنسا عضو في الناتو، حيث يشير التحالف في جميع وثائقه الرسمية إلى أن روسيا دولة معادية، ربما عارضت باريس ذلك لكنها لم تستطع فعل أي شيء وأبدت تضامنها مع هذا القرار العدائي. والنقطة الثالثة هي أن توريد الأسلحة الى نظام كييف على خلفية حملة عدم السماح بانتصار روسيا بالإضافة إلى المرتزقة الزومبي الموالية للغرب الأنثروبولوجي، لا يترك مجالاً لأي استنتاج منطقي آخر غير استنتاج إرادة الهزيمة لروسيا، وبالتالي تدعوهم ماريا الى ضرورة إعادة التفكير. النقطة الرابعة والأخيرة هي أن ماكرون اعترف صراحةً بأن الغرب طوال هذه السنوات لم يكن مشغولاً فقط بالتدخل في الشؤون الداخلية لروسيا، بل حاول أيضاً تغيير الفرق الحاكمة في روسيا.
باختصار، سعى ماكرون باستمرار ليكون المحاور المميز للقيادة الروسية، مدركاً أنه في فرنسا يتم نشر حملة تهدف إلى التغيير المناهض للدستور في الهيئات الحاكمة، ولكن يبدو أنه انصاع للجوقة الغربية بملء إرادته لمعاداة روسيا، ضارباً بمصالح فرنسا والفرنسيين بعرض الحائط.