الحرم الإبراهيمي.. المجزرة ماثلة في الذاكرة العربية
د. معن منيف سليمان
تعدّ مجزرة الحرم الإبراهيمي الشريف من أبشع الجرائم التي ارتكبها العدو الصهيوني بحق أبناء شعبنا العربي في فلسطين، ومازالت المجزرة ماثلة في البلدة القديمة بالخليل، حيث لا ينسى أحرار العرب شهدائهم الذين ارتقوا في الخامس والعشرين من شباط عام 1994، ففي هذا اليوم تحل ذكرى مجزرة الحرم الإبراهيمي الشريف التي استشهد فيها وجرح العشرات من المصلين الآمنين عندما فتح أحد المستوطنين الصهاينة وأكثرهم تطرفاً “باروخ غولدشتاين” النار عبر بندقيته الآلية صوب المصلين، فقتل عشرات المصلين وأصاب العشرات بجراح، في مجزرة وحشية من الصعب أن تخرج من الذاكرة العربية والفلسطينية لتشهد أن الصهاينة هم أعداء الأمة التاريخيين ولن يكونوا لشعبنا أصدقاء أبداً مهما تبرقعوا بوشاح الإنسانية.
كانت مدينة الخليل من ضمن المدن الواقعة تحت نير الاحتلال الصهيوني بعد حرب الأيام الست المشؤومة، وكان هذه المدينة ذات كثافة سكانية عالية، فعمدت السلطات الإسرائيلية على وضع خنجر داخل قلب هذه المدينة الضخمة، يكون ذريعة للتدخل الإسرائيلي ليل نهار داخل المدينة، هذا الخنجر متمثل في مستوطنة “كريات أربع” التي بنيت داخل مدينة الخليل، ويقدر عدد سكانها بأربعمئة مستوطن صهيوني، وهؤلاء المستوطنون أغلبهم متدينون متطرفون بصورة تفوق نظرائهم اليهود العاديين.
كان المجرم “غولدشتاين” من سكان مستوطنة “كريات أربع” وهو أمريكي الأصل وكان يعمل في أمريكا طبيباً، فترك ذلك كلّه وهاجر إلى الكيان الصهيوني، وأقام في مستوطنة “كريات أربع”، وكان قد تتلمذ في مدارس الإرهاب الصهيوني على أيدي متخصّصين في الإرهاب من حركة “كاخ” الإرهابية وكان “غولدشتاين” معروفاً لدى الفلسطينيين، حيث كان في كثير من الأوقات يشاهدوه وهو يتبختر أمام المصلّين الداخلين والخارجين إلى الحرم الإبراهيمي.
ومثلما أحب الإرهاب أحب قتل الفلسطينيين، ووهب جلّ اهتمامه لهذا الأمر حتى نفّذ مهمّته في الخامس والعشرين من شهر شباط عام 1994، وهذا المتطرّف الصهيوني قتل 29 مصلياً احتشدوا لصلاة الفجر في ذلك التاريخ وأصاب العشرات بجروح من بين 500 مصلٍ كانوا يتعبّدون في الحرم الإبراهيمي في الخامس عشر من شهر رمضان لذلك العام.
وكان “غولدشتاين” قد تدرّب على تنفيذ مهمته داخل معسكرات صهيونية داخل فلسطين المحتلة وخارجها وكان معروفاً بحقده الشديد على العرب . رأى المجرم “غولدشتاين” أن أفضل زمان ومكان يوقع فيه أكبر عدد من الضحايا، هما شهر رمضان وفي بيت من بيوت الله، لكثرة اجتماع الناس للصلاة في هذه الأيام، واتفق المجرم “غولدشتاين” مع بعض جنود الاحتلال على أن يمدّوه بالسلاح اللازم في تنفيذ تلك المجزرة، مع توفير الحماية له من الخلف. وبالفعل في صلاة الفجر يوم الجمعة 15 رمضان سنة 1414هـ (25 شباط عام 1994)، دخل المجرم المسجد الإبراهيمي.
وعند تنفيذ المذبحة، قام جنود الاحتلال الصهيوني الموجودون في الحرم بإغلاق أبواب المسجد لمنع المصلّين من الهرب، كما منعوا القادمين من خارج الحرم من الوصول إلى ساحته لإنقاذ الجرحى، وفي وقت لاحق استشهد آخرون برصاص جنود الاحتلال خارج المسجد وفي أثناء تشييع شهداء المسجد، وقد راح ضحية المجزرة نحو 50 شهيدًا قُتِل 29 منهم داخل المسجد.
ولقد تردّد أن أكثر من مسلّح إسرائيلي شارك في المذبحة، إلا أن الرواية التي سادت تذهب إلى انفراد “غولدشتاين” بإطلاق النار داخل الحرم الإبراهيمي، ومع ذلك فإن تعامل الجنود الصهاينة والمستوطنين المسلّحين مع ردود الفعل التلقائية الفورية إزاء المذبحة التي تمثّلت في المظاهرات الفلسطينية اتسمت باستخدام الرصاص الحي بشكل مكثَّف، وفي غضون أقل من 24 ساعة على المذبحة ارتقى 53 شهيداً فلسطينياً أيضاً في مناطق متفرّقة ومنها الخليل نفسها.
لقد لاقت مذبحة الحرم الإبراهيمي تأييداً من الغالبية العظمى في الكيان الصهيوني، وعندما سُئل الحاخام اليهودي “موشي ليفنغر” عمّا إذا كان يشعر بالأسف على من قتلهم المجرم “غولدشتاين”، ردّ قائلاً: “إن مقتل العربي يؤسفني بالقدر الذي يؤسفني مقتل ذبابة”.