دمشق تفتح أبوابها..
طلال ياسر الزعبي
في زيارة هي الأولى من نوعها بعد اثني عشر عاماً من الغياب، حطّت في دمشق رحال البرلمانات العربية، ليس لتعبّر، فحسب، عن تضامنها مع سورية، قيادة وشعباً، في مواجهة كارثة الزلزال التي ألمّت بها، بل لتوجّه رسالة سياسية مفادها أن وجود سورية الفاعل ضمن محيطها العربي أمر ضروري وملحٌّ في مواجهة الظروف والتحدّيات التي تعصف بالمنطقة.
فدمشق التي كانت طرفاً مؤسّساً للجامعة العربية وارتبط تاريخها كاملاً بتاريخ الأمة العربية منذ أقدم العصور، ولعبت دوراً مفصلياً في التاريخ العربي المعاصر، وواكبت أهم محطاته وتحوّلاته وأحداثه السياسية والثقافية والفكرية، وكانت على الدوام قلب العروبة النابض، والمدافع الصلب عن قضايا الأمة، في مواجهة المخاطر الوجودية المستمرة، فقدمت الشهداء واستقبلت اللاجئين وخاضت الحروب في وجه المشروع الغربي الاستيطاني الصهيوني في المنطقة، هي ذاتها اليوم تحتضن الوفود البرلمانية العربية، وفود الشعب العربي، وضميره الحي، لترسل رسالة من هنا، بأن هناك صفحة تُطوى، وأن مرحلة الاستفراد الغربي بالبلدان العربية قد ولّت، وأن المعطيات على الأرض قد تغيّرت، وأن “الكليشهات السياسية” التي يشيعها الإعلام “المنضبط” والمأجور، حول عزلة سورية من عدمها، إنما تتبدّد، فأن يزور أربعة عشر وفداً برلمانياً عربياً دمشق تضامناً معها، وأن يلتقوا تحت قبّة مجلس الشعب في جلسة عربية، وأن يستقبلهم السيد الرئيس بشار الأسد، معناه أن الحديث عن عزلة مفترضة إنما يعني طرفاً أو أطرافاً أخرى.. وسورية بالتأكيد ليست منها.
لقد أكّد الرئيس الأسد أن زيارة الوفد البرلماني العربي إلى سورية تعني الكثير بالنسبة للشعب السوري، لأنها تعطي مؤشراً على وقوف أشقائه العرب إلى جانبه في الظروف الصعبة التي يتعرّض لها بفعل الحرب الإرهابية وتداعيات الزلزال، كما لفت إلى أن هذه الزيارة تؤكد أن هناك مؤسساتٍ عربيةً فاعلة قادرة في مختلف الظروف على أخذ زمام المبادرة والتحرّك لمصلحة الشعوب العربية. ومن هنا، فإن هذه الزيارة، إضافة إلى كونها جاءت تضامناً مع الشعب العربي السوري في مواجهة كارثة الزلزال، إنما هي تعبير عن حقيقة الموقف الشعبي العربي، والقوى العربية الحيّة، ممّا خُطط، وممّا جرى في سورية، على امتداد السنوات الـ12 الماضية، لجهة تجنيد وتسليح وتمويل عشرات آلاف الإرهابيين والمرتزقة، في محاولة لتدمير الدولة السورية، وإشغالها عن دورها القومي والإقليمي، على خلاف ما روّجت له البروباغندا الإعلامية المهيمنة. وزيارة اليوم تعكس الرغبة العربية في عودة سورية إلى مكانها الطبيعي بين أشقائها الذين لا يمكن لأيّ قوة خارجية أن تحول بينهم وبينها، حيث هنا في دمشق قلب كبير يتسع لجميع الأشقاء، وحيث سورية التي لا يمكن أبداً أن تُدير ظهرها لإخوانها العرب حتى في أحلك الظروف التي تعيشها حالياً، لأنها باختصار القلب النابض لهذا المحيط العربي.
ولذلك، لم يكن الحضور البرلماني العربي تحت قبّة مجلس الشعب السوري أمراً عادياً على الإطلاق، بل هو إعلان عربي مهمّ يتم إطلاقه من دمشق، بأن سورية باقية ولا يمكن أن تنكسر، وأن أشقاءها عائدون إليها لا محالة، ولا يمكن للضغوط الأجنبية مهما عظمت أن تمنع الأشقاء عن ممارسة دورهم، وتقديم جميع أشكال الدعم له، وخاصة أن الجميع أدرك حجم المؤامرة التي حيكت لهذا البلد لإخضاعه وإذلاله، وأنه تحدّى جميع الظروف وانتصر على الإرهاب الذي كان مقدّراً له أن يأتي على سائر الجسد العربي لولا صمود سورية وانتصارها عليه بدعم من الشعوب العربية الصادقة التي كان قلبها حاضراً دائماً مع سورية طوال السنوات الماضية.
وباختصار، هذه الزيارة ستُسجّل على أنها زيارة تاريخية، ليس لأنها جاءت بعد سنوات من “التغريبة العربية”، بل لأنها أكّدت للعالم أجمع أن الجسد العربي واحد في وجعه، وأن العروبة حقيقة حيّة خالدة.