معايير “اللجنة الاقتصادية”..؟!
بشير فرزان
يطرح الواقع الاقتصادي، بكلّ تحدياته وتعقيداته، إشكالية أساسية تتمحور حول كيفية دفع الاقتصاد نحو الإنتاجية، وإمداد الخزينة العامة بما يمكّنها من تغذية الخيارات الإنعاشية، ويضمن لها مساراً تستعيد فيه الدولة القدرة على القيام بالسياسات الاقتصادية وتنفيذها كجزءٍ من آلية ذاتية مستدامة، ليس فقط في “إعادة إعمار” بل أولاً وأساساً في تحقيق انتعاش للحركة الاقتصادية وللإدارة الرشيدة للموارد الإنتاجية والاقتصادية، بما فيها الثروات المتعدّدة من أجل المصلحة العامة والعدالة الاجتماعية، وهذا ما يستدعي التوقف عند عمل اللجنة الاقتصادية وتوصياتها التي كان لها أثر سلبي على المواطنين من حيث أصابت “الحالة المعيشية بمقتل”، كما يقال.
ولا شكّ أن الانتقادات التي توجّه إلى عمل هذه اللجنة تُبنى على انعكاسات ما يُتخذ ضمن صلاحياتها على الاقتصاد الوطني وحياة الناس بكل المجالات، حيث لم يشعر المواطن بأن قرارات اللجنة الاقتصادية كانت في مصلحته.
ولو استعرضنا معظم القرارات الصادرة عن اللجنة، فسنجد أنها في غالبيتها مبهمة تتعلق بالاستيراد والتصدير، ورفع أسعار المواد التي تُباع في مؤسسات القطاع العام، فتمّ رفع سعر الخبز مع تخفيض وزنه، ورفع أسعار المشتقات النفطية مرات عديدة، ثم رفع أسعار المواد المدعومة “سكر” وأسعار حوامل الطاقة كالكهرباء، ولم تترك “اللجنة” مادة توصف بأنها مدعومة إلا ورفعت سعرها، وكانت الطامة الكبرى إيقاع الاقتصاد المعيشي في متاهة إعادة هيكلة الدعم، والنتيجة كانت أن ترتفع الأسعار بنسب كبيرة جداً يوماً بعد يوم إلى أن وصلت إلى أرقام خيالية فاقت قدرة الناس الشرائية وحطّمت الدخل الشهري الوظيفي بالكامل، وأصابت المصادر المعيشية الأخرى بالعجز والشلل!.
ولسنا بصدد تقييم عمل اللجنة، ولكن ومن خلال الحياة اليومية تتضح حقيقة العجز في تشجيع وتعزيز قدرة الإنتاج المحلي بشكل يعزّز المقاومة في كافة المجالات التي استُهدفت في بلدنا، وهذا الأمر كان سينعكس فيما لو حصل إيجاباً في جميع الملفات السياسية والعسكرية والنقدية والمالية والخدمية، ولكن للأسف لم توفق اللجنة بأي إجراء مناسب في ذلك وبدأت تجتهد في إصدار القرارات الخاصة بالتجارة الخارجية وتعديلها بفترات قصيرة الأمد، وهذا ماخلق إرباكاً في قطاع الأعمال وامتدت التأثيرات لتطال كافة التفاصيل المعيشية بحيث بات التخبّط هو السمة النابضة من كلّ الأسواق.
وبالتركيز على أداء اللجنة الاقتصادية تزداد أهمية البحث عن الكفاءات المناسبة وتعديل منهج العمل، خاصة وأن معظم قراراتها كانت عبارة عن ردود أفعال ومصاغة بعقلية السمان، حيث ركز الاهتمام الحكومي بشكل أساسي على تخفيض العجز وتمّ نسيان الجانب الآخر وهم العاملون بأجر الذين ينتظرون القرارات الجريئة التي تنتشل رواتبهم من قاع الفقر، وهذا ما يزيد الحاجة إلى وجود لجنة اقتصادية تبتدع حلولاً لمواجهة الحالة الاقتصادية التي نتجت عن الحصار والحرب وتداعيات الكارثة الزلزالية بدلاً من الردّ على تداعيات الظرف المعيشي والاقتصادي بعد وقوع الخطأ أو الواقعة، وبصراحة كشفت الأيام القليلة الماضية بخسائرها الإنتاجية والاقتصادية المعيشية وباختلال ميزان الصرف والقوة الشرائية أن خيارات الانتقاء غير صائبة وتحشر العديد من الأسماء في خانة الخبير الاقتصادي بمعايير خاطئة وغير مسندة للتجربة العملية والعلمية.