تحقيقاتصحيفة البعث

الجنوح للتوفير يقع في اختبار كفاءة مقاومة الزلازل.. والسؤال الأخطر: أين التزام المباني الحكومية باشتراطات التقييم الإنشائي؟

شكل الزلزال الذي ضرب بعض المحافظات، 6 شباط الجاري، بما حمله من ضحايا ومشردين ومنكوبين، عدا العدد الكبير من الأبنية الخاصة والحكومية التي انهارت أو تصدعت (1414 وفاة و2357 إصابة، حسب الحصيلة النهائية لضحايا الزلزال)، فرصة للتوقف عند ملف سلامة الإنشاءات وجودة البناء، والذي اعتبر المهندس سهيل عبد اللطيف وزير الأشغال العامة مؤخراً أنه لا عيب في الكود السوري بل في آليات التطبيق، لتبدأ مكنة المحافظات ورؤساء المدن والبلديات بالكشف الفوري على المباني المتضررة لبيان الحالة الفنية لها من حيث الخطورة، ولهذا الغرض تم إعداد استمارات وفق دليل العمل الهندسي لفرق التدخل السريع الميدانية.

واليوم يقع العبء الأكبر على لجان السلامة العامة الذي ينصبّ عليها بالدرجة الأولى بهذه المرحلة تحديد الأبنية المتصدعة التي تشكل خطورة على سكانها وإخلائها لتجنب مخاطر الهزات الزلزالية الارتدادية، ريثما يتم تقييم دقيق لوضعها الإنشائي في مرحلة لاحقة، علماً أن الزلزال سيكشف الكثير من العيوب في الأبنية المنفذة من الناحية الإنشائية من جهة الدراسة أو التنفيذ، سواء كان تنفيذ هذه الأبنية من قبل المواطنين أو من قبل مقاولي البناء.

تعويل كبير

وإذا كان ثمة دور منوط بالجهات الحكومية المعنية بتحقيق الحد الأدنى من شروط السلامة حول دراسة وتنفيذ الأبنية السكنية، فإن التعويل الكبير على نقابة المهندسين المعنية – كما يجمع الخبراء – بما يخص الأبنية المرخصة من جهة الدراسة والإشراف على التنفيذ،  ليطفو على السطح تأكيد الوزير عبد اللطيف بأن الكود السوري متهم بأنه غير اقتصادي لتشدده بنحو 300% فيما يتعلق بتصميم أبنية مقاومة للظواهر الطبيعية كالزلازل، حيث يقول المهندس زهير ياسين بأن التكلفة تتضاعف في حال رفع شروط السلامة لكن لدينا قواعد ضرورية من الناحية الإنشائية للأبنية مثل معالجة التربة إذا كانت غير صالحة لإنشاء قواعد البناء عليها، وأن تكون القواعد بمستوى واحد واختيار نوع القواعد المناسبة (منفصلة – متصلة – فرشة كاملة) وتنفيذ جدران القص التي تساهم بشكل كبير في مقاومة القوى الأفقية كالزلازل، مع التأكيد أن لجان السلامة نفسها تفيد في تقاريرها أغلب التصدعات بالأبنية التي تم الكشف عليها ناتجة عن نقص في عوامل السلامة في مرحلة تنفيذ هذه الأبنية، نتيجة الجنوح نحو التوفير في التكلفة بسبب غلاء مواد البناء.

مسؤولية لا تنتهي

هنا جلي الذكر بأن القانون المدني السوري يحمّل المهندس مسؤولية مدنية بالتعويض عن الضرر إذا حصل تهدم البناء نتيجة الزلازل، وكان سبب التهدم ضعفاً في البناء وعدم مراعاة قواعد المتانة في مواجهة الزلازل حتى بعد انقضاء مدة الضمان المحدد بالقانون بعشر سنوات بعد تسليم البناء، لأن مسؤوليته هنا ناتجة عن الخطأ في التزام معايير السلامة ومقاومة الزلازل، وهي مسؤولية لا تنتهي بانتهاء عشر السنوات، مع التنويه أن المادة 550 من قانون العقوبات تنص على أن أي خطأ يرتكبه المقاول أو المهندس المدني أو المشرف على عمليات البناء والإنشاء إذا خالف التعليمات الخاصة بضمان متانة الأبنية ومقاومتها الزلازل حسب القوانين المرعية ونجم عن خطئه انهيار البناء في مواجهة الزلازل، فإنه يتحمل المسؤولية الجزائية عن هذا الخطأ.

أمان مباني الدولة

وفي دمشق التي تحتضن أكبر عدد من المنشآت الحكومية كعاصمة فيها الوزارات والمؤسسات والمديريات المركزية، هناك حالة من الاهتمام والمتابعة والترصد لحال المباني الخاصة والعامة، حيث تؤكد تعاميم الرئاسة على الجهات العامة والحكومية التي لم تؤهل مبانيها ضد الزلازل حتى تاريخه، وضع خطة شاملة وبرنامج زمني بالتعاون مع نقابة المهندسين لتأهيل الأبنية والمنشآت التابعة لها، وتقييمها إنشائياً بهدف رفع كفاءتها لمقاومة أفعال الزلازل وذلك وفقاً لأهمية البناء، وعدد شاغليه، وعمره، وقيمته التاريخية والوظيفية، والعوامل الأخرى التي ترى الجهة العامة ضرورة أخذها بالحسبان، بهدف رفع كفاءتها لمقاومة الأحمال الشاقولية والزلزالية، على أن ترفع هذه الخطة مع البرنامج الزمني الملحق بها إلى وزارة الأشغال العامة والإسكان، وبعد أن يتم تقييم كل مبنى، ويتبين ضرورة رفع كفاءته تجرى له الدراسة الإنشائية اللازمة من خلال مكاتب دراسات هندسية استشارية مؤهلة في هذا المجال.

خط ساخن

وفي جانب المنازل والأبنية الخاصة يقول نائب رئيس المكتب التنفيذي في المحافظة المهندس علي المبيض، أنه تم تشكيل أكثر من 30 لجنة هندسية من محافظة وجامعة دمشق ونقابة المهندسين مهمتها الكشف على المنازل التي يقوم المواطنين بالإبلاغ عن وجود أي حالة تصدع أو تشقق أو أي شيء في المنزل، حيث تم الكشف على أكثر من 1000 منزل في دمشق، مشيراً إلى أن المحافظة خصصت خطا ساخنا لتلقي طلبات المواطنين على الرقم 196، يتم تلقي الاتصالات عليه وعنوان ورقم طالب الكشف، ويتم توجيهها إلى اللجان المختصة للكشف على العقارات وتقييم الحالة الإنشائية، وتقديم الدعم الفني والمشورة الفنية لأصحاب هذه العقارات وإذا اضطر الأمر لإجراء تجارب يتم من قبل مخبر نقابة المهندسين، كل ذلك يأتي في زمن قدر فيه العديد من الخبراء عدد الأبنية المنهارة بحوالي 150 بناء تحوي أكثر من 500 شقّة سكنية، إضافة إلى حوالي 3000 مبنى مهدَّد بالانهيار..

متطلبات واشتراطات 

في هذا المضمار يمكن القول أن الأهم هو نشر المتطلبات والاشتراطات الإنشائية الواجب تحقيقها لحالات ترخيص الأبنية واستكمال إنشائها والتي ترى فيها الحكومة أرضية قوية تحمي الأبنية ومستخدميها من المواطنين، حيث تخضع الأبنية الجديدة  – حسب مضمون تعميم رئاسة مجلس الوزراء الصادر عام 2017 – لمتطلبات واشتراطات الكود العربي السوري للخرسانة المسلّحة وملاحقه، وتشمل هذه الفئة الأبنية قيد الدراسة أو قيد الترخيص أو قيد إنشاء هيكلها، وجميع الأبنية المزمع إنشاؤها، وبالنسبة للأبنية القائمة  تقول رئاسة الوزراء أنه يتم تقييم الوضع الإنشائي الراهن للمبنى القائم على أن تتم معالجة أوضاع الأبنية القائمة دون الحاجة إلى دراستها على الأحمال الزلزالية، ويكتفى بتحقيق البناء بأكمله على الحمولات الشاقولية فقط، وفق متطلبات واشتراطات الكود العربي السوري وملاحقه، ويتم الإشراف على تنفيذ أعمال التدعيم لتأهيل المباني والمنشآت القائمة لمقاومة الزلازل، من قبل مهندسين إنشائيين من مرتبة استشاري (رأي) من أصحاب المكاتب الهندسية المختصة، وذلك بالاتفاق مع أصحاب العلاقة.

تأمين الانسجام 

وتضيف بيانات رئاسة الوزراء أنه لا يتم الترخيص لاستكمال المباني القائمة أو تسوية أوضاع المباني المخالفة التي سمحت الأنظمة والقوانين النافذة بتسوية وضعها، إلا بعد دراسة هذه المباني لتأمين الانسجام المعماري بين الأقسام المضافة مع واجهات ومداخل المبنى الأصلي من حيث المواد والألوان ومواقع النوافذ  والتحقق من ملاءمتها لنظام ضابطة البناء المعتمد، وتجتمع جميع الجهات العامة المعنية ونقابة المهندسين والشركة العامة للدراسات والاستشارات الفنية ومجالس المدن – كلٍ فيما يخصه – العمل وفق أحكام التعاميم، والمتضمنة بيان الإجراءات الإنشائية والفنية الواجب تحقيقها لترخيص الأبنية وتقييم القائم منها لتحديد وضعها الإنشائي الراهن واستكمال إنشائها.

والسؤال الأهم أين فعل التطبيق لهذه التعاميم التي صدرت منذ سنوات، وهل نحتاج لاختبار دائم من قبيل الزلزال المدمر الذي مازلنا نعيش صدمته حتى تتحرك الجهات والمؤسسات والأفراد للقيام بالواجب الأخلاقي تجاه البنية العمرانية والإنشائية وتقديم المسؤولية الوطنية والإنسانية على كل توجه ربحي يغلب ويسيطر على شريحة المقاولين والمتعهدين وتجار البيوت والأرواح.؟

علي بلال قاسم