واقع العمل والعاملين في الإدارات العامة تحت المجهر
عبد اللطيف شعبان
قبل عقود شهدت عشرات المعاهد والكليات تعاقدها مع الدارسين المتضمن التزامها بتعيينهم في الإدارات العامة عقب تخرجهم، وقد احتوت الإدارات العامة تعيين كم كبير من هؤلاء الخريجين بغض النظر عن الملاك، إلى أن ظهر عدم وجود عمل فعلي أثناء الدوام في بعض الإدارات لكثير من المعينين، وخاصة حال كانت التعيينات جاءت بما لا يتناسب مع الاختصاصات وكثيرا ما حدث ذلك، وحقيقة الأمور تجلت بقصور الجهات المعنية عن إحداث منشآت جديدة تستوعب هؤلاء الخريجين وتستثمر طاقاتهم، بالتوازي مع قصور الإدارات الرسمية الموجودة /الإنتاجية والخدمية/ عن تطوير وتوسيع عملها بما يحقق استثمار طاقات الكم الكبير من المعينين لديها، عدا عن بعض الإدارات شكت من ضعف أداء بعض نماذج من الذين تم تعيينهم لديها بسبب الإعاقة أو أسباب أخرى.
إلا أن السنوات الأخيرة تشهد ظاهرة جديدة تستوجب التوقف مليا عندها، بخصوص المعاناة القائمة في واقع العمل والعاملين في الإدارات العامة، نتيجة تناقص متتابع في عدد المعاهد والكليات الملتزمة بتعيين خريجيها، وتتابع ذلك بتناقص أعداد تعيين المتخرجين منهم، ومؤخرا تم الإعلان عن عدم الالتزام بالتعيين الشامل المعهود للمهندسين الذين يتخرجوا في السنوات القادمة إلا في ضوء الحاجة، علما أنه لا جدال في منطقية هذا الإجراء، شريطة أن يواكبه المنطقية التي تقضي بتوسيع نشاط الإدارات القائمة، بالتواكب مع ضرورة إحداث جبهات عمل جديدة في جميع القطاعات، تمكن من توفير فرص عمل تتناسب مع الحجم المتتابع من الخريجين.
الملفت للانتباه والجديد في الأمر أن العديد من الإدارات العامة في بعض المحافظات تشكو من نقص عاملين (وزارة التربية مثال على ذلك) لضعف وجود خريجين لديها، ولا يرغب أبناء المحافظات الأخرى بالعمل فيها لأسباب منها أن الراتب لا يكفي لأجور السكن، وليس لهم حوافز تشجعهم، لا بل حتى أن بعض أبناء المحافظة نفسها لا يقبلون التعيين في مناطق بعيدة عن مكان إقامتهم ضمن نفس المحافظة، نظرا لمتاعب النقل وارتفاع أجوره التي تستهلك نسبة كبيرة من الأجر، والمؤسف أن أعدادا غير قليلة من العاملين الحاليين ذوي الأهلية والخبرة، يتقدمون باستقالتهم من العمل في العديد من الإدارات، بسبب ضعف الراتب، فتكاليف السفر وأجور السكن الذي تستهلك كامل الراتب وقد يزيد، فالفرق القليل بين راتب التقاعد وراتب العمل لمن أمضوا قرابة 25 عاما من الخدمة، يدفعهم لترك العمل الوظيفي والبحث عن عمل آخر.
ظاهرة عزوف الكثير من حملة الشهادات وخاصة العلمية العملية (الأطباء والمهندسين والصيادلة) عن التقدم للعمل الوظيفي، بسبب ضعف الرواتب له منعكساته الكبيرة، إذ أن العديد من المراكز الصحية في أكثر من محافظة تشكو من نقص الأطباء لهذا السبب، ولا يخفى على أحد أن مئات من الأطباء العاملين لديها يتقدمون باستقالاتهم، ويعدون للسفر إلى الخارج، حتى أن الكثير من الطلاب الدارسين يعدون أنفسهم لذلك بالتواكب مع السنوات الأخيرة لدراستهم.
هذا الواقع الذي يعيشه العاملون في الإدارات ومن هم من المفترض أن يتقدموا لاحقا للعمل بها تتابعيا، يستوجب المزيد من التحليل والدراسة، لضمان الحفاظ على الكفاءات الموجودة، وتحفيز الكفاءات الجديدة، وخاصة مع تناقص نسبي في عدد الخريجين مستقبلا في العديد من المحافظات، بسبب لظروف الأمنية والاقتصادية التي حلت به، والتي أثرت على تدني المستوى التعليمي فيها، ما يجعلها بحاجة لتوافد عاملين من المحافظات الأخرى، الذين بدورهم يحتاجون لمغريات تدفعهم لذلك، ومن المعهود أن خمسينات وستينات القرن الماضي شهدت منح تعويضات مالية إضافية لكل من تم تعيينه خارج محافظته. حبذا أن تكون جميع الجهات الرسمية معنية بتدارس هذا الواقع، وخاصة وزارة التنمية الإدارية.
عضو جمعية العلوم الاقتصادي السورية