دراساتصحيفة البعث

تعليق المشاركة في “ستارت الجديدة” دليل على القوة الذكية

هيفاء علي 

أطلق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قنبلة من العيار الثقيل عندما أعلن أن روسيا تعلق مشاركتها في معاهدة “ستارت الجديدة”، وهي اتفاق الأسلحة النووية الأخير مع الولايات المتحدة.

بالنسبة لبايدن، مع انخفاض تصنيفه في الحزب الديمقراطي، فإن الانخفاض المستمر في الدعم الشعبي للحرب في أوراسيا يؤكد أن روايته عن “الديمقراطية مقابل الاستبداد” لا تؤخذ على محمل الجد، حتى في الرأي الأمريكي خارج دائرة المحافظين الجدد، لكن بالتأكيد، لن يرغب بايدن في دفن معاهدة “ستارت الجديدة” لتكون إرثه الرئاسي. أما بالنسبة لبوتين، فعلى الرغم من أن نسبة التأييد التي حصل عليها 80٪ والتي ستجعل إعادة انتخابه العام المقبل أمراً مؤكداً، إذا قرّر السعي لولاية أخرى.

على الرغم من أن الاقتصاد الروسي صمد أمام الهجمة الغربية، إلا أنه لا يزال مزيجاً من اقتصاد الحصار واقتصاد الحرب، وأن بوتين نفسه يدرك تماماً الحاجة إلى تهدئة مخاوف الجمهور. ولطالما كانت الاستراتيجية الروسية تتمثل في “التفاوض” مع أوكرانيا، لكن الولايات المتحدة أرادتها حرب استنزاف، لذلك أعلن بايدن عن حزمة مساعدات عسكرية جديدة بقيمة 460 مليون دولار لأوكرانيا، ستشمل ذخيرة لنظام إطلاق الصواريخ المتعددة “هيمارس”، وقذائف 155 و120 ملم للمدفعية، لكنه لم يقدّم أي وعود بشأن الصواريخ بعيدة المدى أو الطائرات المقاتلة. وعلى حدّ تعبير الأمين العام لحلف الناتو، ينس ستولتنبرغ، فإن ما يحدث هو “حرب استنزاف.. معركة لوجستية”.

بحسب مراقبين، من الواضح أن القوات الروسية يمكن أن تنشئ منطقة عازلة في المنطقة الواقعة غرب نهر دنيبر، وقد دعا بوتين النخبة الغربية إلى إدراك أنه من المستحيل هزيمة روسيا في ساحة المعركة، وأنه من المؤكد أن الدعم الأمريكي للحرب في أوكرانيا سيؤثر على حسابات بايدن السياسية، خاصةً وأن إدارة بايدن حصلت على اعتمادات كبيرة تسمح لها بالحفاظ على مستويات عالية من الدعم لأوكرانيا للأشهر الثمانية المتبقية من السنة المالية المنتهية في تشرين الأول، وليس هناك شك في أن الحلفاء الغربيين سوف يكملون ذلك أيضاً.

حقيقة، جاء قرار بوتين باللعب ببطاقة “ستارت الجديدة” في الوقت المناسب، فهو دليل على “القوة الذكية” والحرب بوسائل أخرى، حيث أوضح المندوب الروسي الدائم لدى المنظمات الدولية في فيينا، ميخائيل أوليانوف، أن “الوضع يمكن أن ينقلب” إذا أظهرت الولايات المتحدة إرادة سياسية وبذلت جهوداً صادقة من أجل التهدئة العامة، فكان الردّ الأمريكي على لسان وكيلة وزارة الخارجية الأمريكية للشؤون السياسية فيكتوريا نولاند بالقول إن واشنطن مستعدة لبدء محادثات مع روسيا بشأن معاهدة “ستارت الجديدة” غداً، إذا كانت موسكو مستعدة، وشدّدت على أن الولايات المتحدة وموسكو تتحملان مسؤولية تجاه العالم للحفاظ على الترسانة النووية آمنة.

أما في البعد الأوروبي، فإن التداعيات على الأمن الأوروبي ستكون عميقة، حيث طالب بوتين بأن تشمل محادثات الحدّ من الأسلحة النووية المستقبلية أيضاً المملكة المتحدة وفرنسا، فهل ستوافق المملكة المتحدة وفرنسا على تقديم مخزوناتهما من الأسلحة النووية للمعاهدات الدولية؟.

لقد تخلّت الولايات المتحدة عن معاهدة الحدّ من انتشار الأسلحة النووية دون مراعاة المخاوف الأوروبية، والآن هناك استياء محتدم في أوروبا من أن الولايات المتحدة كانت المستفيد الوحيد من الحرب في أوكرانيا. وبحسب الخبراء فإنه بحلول شهر آذار القادم، سيتمّ الانتهاء من تدريب المجندين الروس الجدد بعد التعبئة الجزئية لجنود الاحتياط العسكريين، في أيلول الماضي، بالإضافة إلى التركيز على “نزع سلاح” قوات كييف في دونباس، وبالتالي فإن مقاطعات خاركوف وزابوروجيا وخيرسون ستكون أيضاً في مرمى التقاطع الروسي.

باختصار، إن إدارة بايدن في مأزق لأن الحقائق على الأرض لا تظهر أي مكاسب ملموسة لقرارها شنّ حرب بالوكالة مع روسيا، فقد خسرت أوكرانيا المزيد من الأراضي بعد تخليها (تحت الضغط الأمريكي) عن مسودة الاتفاقية التي تمّ التفاوض عليها في اسطنبول في آذار الماضي، وأصبحت أربع مقاطعات أوكرانية الآن جزءاً من الاتحاد الروسي، ومن غير المرجح أن تتخلى موسكو عنها. والأهم أن بايدن يعرف جيداً أن أوكرانيا ستنهار بين عشية وضحاها، كما أن وصمة الهزيمة ستغرق النظام الحالي في كييف، لذلك فإن الخطة الغربية هي دعم “هجوم مضاد” أوكراني آخر لتحقيق بعض المكاسب الإقليمية، لكن فرص استعادة كييف للأراضي الواقعة تحت السيطرة الروسية معدومة عملياً.