السفير صباغ: مواجهة تداعيات الزلزال تتطلّب دعماً دولياً ورفعاً للإجراءات القسرية
نيويورك – سانا:
أكّد مندوب سورية الدائم لدى الأمم المتحدة السفير بسام صباغ أن جهود مواجهة التداعيات الكارثية للزلزال الذي ضرب سورية، تتطلّب دعماً دولياً كبيراً وإمكانياتٍ هائلة، مشيراً إلى أن ذلك لن يكون ممكناً إلا من خلال إيلاء الاعتبارات الإنسانية أولوية على الاعتبارات السياسية، والرفع الفوري والكامل وغير المشروط للإجراءات القسرية غير الشرعية والدعم الصادق والحقيقي لسورية وشعبها.
وقال صباغ خلال جلسة لمجلس الأمن اليوم حول الشأنين السياسي والإنساني في سورية: في الوقت الذي كانت فيه سورية تلملم جراحها وتدفن شهداءها، وتسابق الزمن لمعالجة النتائج الكارثية للزلزال المدمّر، كان كيان الاحتلال الإسرائيلي وقوى الإرهاب يتربّصون بسورية وشعبها حيث شنّ الاحتلال فجر الـ19 من الشهر الجاري عدواناً جوياً على أحياء سكنية مأهولة بالمدنيين في مدينة دمشق أدّى إلى ارتقاء 5 شهداء، وإصابة 15 مدنياً، وتدمير عدد من منازل المدنيين، وإلحاق أضرار كبيرة بمراكز تعليمية ومواقع تاريخية، وتزامن ذلك مع قيام تنظيم “داعش” الإرهابي باعتداء وحشي استشهد فيه 53 مواطناً، وأصيب آخرون أثناء جمعهم محصول الكمأة في مدينة السخنة شرق حمص.
وأشار صباغ إلى أن العدوان الإسرائيلي يأتي في سياق استهداف كيان الاحتلال الممنهج للمدنيين وللأعيان المدنية السورية، من منازل ومراكز خدمية ومطارات وموانئ، ويمثل جريمة حرب موصوفة وانتهاكاً جسيماً للقانون الدولي ومبادئ وأحكام ميثاق الأمم المتحدة، وتهديداً صريحاً للسلم والأمن في المنطقة، مبيّناً أن سورية طالبت مجلس الأمن بتحمّل مسؤولياته وإدانة الاعتداءات الإسرائيلية، واتخاذ الإجراءات اللازمة لردع الاحتلال وضمان عدم تكرار اعتداءاته، ومساءلة ومعاقبة مرتكبيها، إضافة إلى مطالبتها الدول الداعمة للكيان في مجلس الأمن بالكف عن عرقلة نهوض المجلس بمسؤولياته في وقف الجرائم التي يرتكبها الاحتلال والتنظيمات الإرهابية والمحاسبة عليها.
ولفت صباغ إلى أن سورية تواصل ضمن إمكاناتها المتوافرة بذل كل الجهود الممكنة لتسهيل الاستجابة الطارئة لآثار الزلزال المدمّر الذي خلّف آلاف الضحايا والمصابين، ودمّر مئات المباني والبنى التحتية والمرافق الخدمية، حيث قدّمت التسهيلات والإعفاءات اللازمة لوصول المساعدات الإنسانية وعاملي الإغاثة عبر المطارات السورية الثلاثة وميناء اللاذقية البحري والمعابر البرية الحدودية مع لبنان والأردن، كما منحت موافقاتٍ وتسهيلاتٍ مفتوحة للأمم المتحدة والمنظمات الدولية العاملة في سورية بما في ذلك تسهيل وتسريع إجراءات الجمارك ومنح التأشيرات ودخول الإمدادات وعاملي الإغاثة الطارئة لدعم المتضررين.
وأوضح صباغ أن سورية أكّدت التزامها بإيصال المساعدات الإنسانية لمواطنيها أينما وُجدوا على أراضيها، بما في ذلك في شمال غرب البلاد، حيث اتخذت قراراً سيادياً بالموافقة على فتح معبرين إضافيين “باب السلامة والراعي” لمدة ثلاثة أشهر لإيصال المساعدات الإنسانية إلى أهلنا في تلك المنطقة، وأسهم القرار حتى الآن في عبور 423 شاحنة تحمل مساعداتٍ إنسانية وهو أمر يعكس أهمية الاتفاق الذي تم التوصل إليه مع الأمم المتحدة.
وأشار صباغ إلى أن سورية واصلت منح الموافقات والتسهيلات اللازمة لإيصال المساعدات الإنسانية من الداخل ولتنظيم بعثات إنسانية عبر الخطوط إلى شمال غرب البلاد لمدة ستة أشهر لتقديم المساعدات وإجراء تقييمات للاحتياجات الإنسانية في تلك المنطقة استجابة لتداعيات الزلزال، مؤكداً أهمية الاستمرار في تنفيذ كل هذه الإجراءات بحسن نية ورفض كل محاولات تسييس الوضع الإنساني في سورية سواء من خلال قيام مشغلي “هيئة تحرير الشام الإرهابية جبهة النصرة سابقاً” بإعطاء الأوامر لها لمنع دخول المساعدات الإنسانية عبر الخطوط أو من خلال التشويش الذي تمارسه دول غربية على قرار سورية بالموافقة على إدخال المساعدات الإنسانية عبر معبرين حدوديين جديدين.
وتقدّم مندوب سورية الدائم لدى الأمم المتحدة مجدّداً بشكر سورية وتقديرها لجميع الدول التي تضامنت معها وسارعت للاستجابة لحاجات شعبها في هذه الظروف الصعبة، ما شكّل دعماً مهماً للجهود الوطنية في تخفيف آثار الزلزال وإنقاذ الكثير من المصابين، وتقديرها أيضاً للأمين العام للأمم المتحدة على إطلاقه نداء عاجلاً للاستجابة لتداعيات الزلزال الكارثية والذي يجب أن يركّز الجهود الدولية على المساعدة في إعادة إعمار البنية التحتية ومعالجة الأضرار التي لحقت بالمرافق الخدمية والصحية والتعليمية الضرورية التي تشكّل حاجة ملحّة لعودة النازحين المتضررين من الزلزال إلى مناطقهم وبيوتهم.
وأعرب صباغ عن القلق البالغ حيال انخفاض مستويات تمويل خطة الاستجابة الإنسانية، إذ إن خطة عام 2022 تلقت أقل من 50 بالمئة من التمويل ما يستدعي من الدول المانحة توفير التمويل اللازم لخطة الاستجابة الإنسانية وللنداء الإنساني العاجل لسورية، بما يضمن وصول المساعدة الإنسانية للمحتاجين في جميع أرجاء البلاد، موضحاً أن الأمين العام للأمم المتحدة جدّد في تقريره الأخير حول الوضع الإنساني في سورية تأكيد “أهمية تقديم طمأناتٍ واضحة بأن العقوبات الأحادية الجانب لا تتدخل في عمليات الإغاثة التي يستفيد منها السوريون”.
وأكّد صباغ أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لن يقرّوا بمدى الآثار السلبية للإجراءات الأحادية الجائرة التي يفرضونها على سورية، متجاهلين أن القيود المفروضة على قطاع النقل الجوي ومعدات الطيران المدني أثرت في سلامة الركاب المدنيين، وتسبّبت بصعوبات عدة لرحلات الإغاثة الدولية إلى مطارات سورية قبل الكارثة وبعدها، ودفعت العديد من شركات الطيران الدولية لاستخدام مطار بيروت خوفاً من تلك الإجراءات، ما تسبّب بتكاليف إضافية وتأخيراتٍ زمنية لوصول المساعدات إلى المتضرّرين من الزلزال.
وبيّن صباغ أن الإجراءات المفروضة على المستشفيات في سورية، وامتناع الشركات العالمية عن بيع الأدوية والمعدات الطبية الضرورية فاقمت معاناة القطاع الصحي، بما في ذلك خلال فترة جائحة كورونا والزلزال، كما تسبّبت القيود المفروضة على استيراد النفط ومشتقاته بنقص حاد في الوقود المستخدم للتدفئة وللنقل ولتوليد الطاقة الكهربائية، فضلاً عن أن استيلاء الولايات المتحدة غير الشرعي على حقول النفط والغاز في شمال شرق سورية وعمليات تهريب النفط إلى الخارج حرمت الشعب السوري من هذه المادة المهمّة ومن عائداتها التي تبلغ مليارات الدولارات.
ولفت مندوب سورية الدائم لدى الأمم المتحدة إلى أن الإجراءات المفروضة على استيراد محطات الكهرباء والمعدات المتعلقة بتوليد الطاقة وقطع الغيار اللازمة لها تسبّبت بحرمان السوريين من الحصول على الكهرباء لأكثر من 20 ساعة يومياً، كما تسبّبت القيود على استيراد المعدات والآلات اللازمة للتزوّد بمياه الشرب والري وتعقيم وتنقية المياه وإصلاح وتحسين نظام الصرف الصحي بتفشي العديد من الأمراض، وفي مقدّمتها الكوليرا، إضافة إلى إضعاف الإجراءات المفروضة على استيراد آلات البناء الثقيلة ومعدات البناء الأخرى إلى سورية قدرة الدولة على التعامل مع تداعيات الزلزال، حيث كانت الحاجة الماسة لها في عمليات إزالة عشرات الآلاف من حطام وأنقاض المباني المدمّرة، وأيضاً في بناء وحدات سكنية لمئات الآلاف من متضرري الزلزال.
وبيّن صباغ أن القيود المفروضة على استيراد الأسمدة اللازمة للإنتاج الزراعي للغذاء أو مستلزمات إنتاجها محلياً تسبّبت بإلحاق أضرار كبيرة بقدرة سورية على الإنتاج الزراعي، وساهمت في ارتفاع حاد في تكلفة المواد الغذائية المنتجة محلياً، وقوّضت الأمن الغذائي للسوريين، وتسبّبت بسوء تغذية حاد، كما أدّت الإجراءات المفروضة على مصارف سورية بما فيها المصرف المركزي إلى تجميد أو قطع العلاقات المالية مع المصارف الأجنبية، وبالتالي عدم القدرة على تنفيذ التحويلات المالية الضرورية لكل القطاعات الحيوية.
وشدّد صباغ على أن جهود مواجهة التداعيات الكارثية للزلزال تتطلّب دعماً دولياً كبيراً وإمكانياتٍ هائلة، ولن يكون ذلك ممكناً إلا من خلال إيلاء الاعتبارات الإنسانية أولوية على الاعتبارات السياسية، والدعم الصادق والحقيقي لسورية وشعبها، ووفاء المانحين بالالتزامات التي تعهّدوا بها، وتوفير البيئة الآمنة والمستقرة للشعب السوري التي تتحقّق من خلال دعم جهود مكافحة الإرهاب، ووقف الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على الأراضي السورية، وإنهاء الوجود الأجنبي غير الشرعي، والرفع الفوري والكامل وغير المشروط للإجراءات القسرية الأحادية.