المكتبات في مواجهة المقاهي وأماكن التسلية
حمص- سمر محفوض
تراجع دور المكتبات العامة كمصدر تثقيفي وتوعوي مهم في فترة زمنية حرجة, وتراجع علاقة المجتمع مع الكتاب في ظل القفزات الرقمية المرعبة حيث تطالعنا محركات البحث على مدار الساعة بتحديثاتها اللامتناهية إضافة لانتشار أدوات التواصل الحديثة والأزمات الاقتصادية, وتغير المزاج الاجتماعي العام والسعي لتأمين الحاجات الأساسية اثر بشكل مباشر على علاقة الفرد مع الكتاب.
حول ذلك وعن أسباب تراجع إقبال الأجيال الجديدة على القراءة، ومستقبل الكتاب الورقية، التقت الـ”البعث” بعض المشتغلين والمهتمين بالهم الثقافي والكتاب نشراً وتوزيعاً وقراءة, كمحاولة استطلاع حول فاعلية دور المكتبة في ظل تحديات ثورة الانترنت والمعرفة الالكترونية كمصدر للقراءة والثقافة.
عبد الغني ملوك روائي صدر له أكثر من13رواية وهو صاحب مكتبة دار الرواية الحديثة بحمص يقول: إن إغلاق المكتبات له مرتكس اجتماعي خطير، وكل يوم هناك مكتبات عريقة تغلق بعد مرور 50 عاماً وأكثر على افتتاحها، ومهنة بيع الكتب, خاسرة والربح الوحيد هو رسالة نشر الوعي عبر الثقافة وهذه ضرورة أخلاقية وفكرية وقد جربنا تسهيل وصول الكتاب عبر الاستعارة المجانية وبدون تأمين مالي وبعد فقدان عدد كبير من أمهات الكتب, لجئنا إلى التأمين الجزئي وكان العائق عدم إعادة الكتاب المستعارة، ومن ثم لجئنا إلى الإعارة بأسعار رمزية لتعود الكتب تالفة لنتوقف عن الإعارة نهائياً, وحالياً نقوم بشراء مكتبات من أصحابها ونعرضها للراغبين بأسعار مخفضة جداً, مشيراً أن مكتبته تحتوي 10 آلاف عنوان و40 ألف كتاب وأنه من خلال شراكته بدار الينابيع للنشر والتوزيع نساهم بتشجيع الأدباء الشباب وأحياناً بشكل مجاني.
وأضاف: كما قلت سالفاً العمل في تجارة الكتاب خاسرة وليس بسبب العزوف عن القراءة فقط, بل الوضع الاقتصادي أرخى بظلاله على المكتبات فمردود أي مكتبة بأفضل حالاتها لا تكفي أجرة الموظف لديها بينما العقار يأتي بمئات الملايين لو تحول لمقهى أو سوبر ماركت, وفعلياً رواد المقاهي من الشباب يزداد بما لا يقبل القياس برواد المكتبات.
صاحبة مكتبة زنوبيا العريقة بحمص سوسن خباز أكدت أن القراء لم يتغيروا بل زاد عددهم وخاصة الأطفال فهم يشكلون إضافة حقيقية للإقبال على القراءة ويجب على الأهالي التشجيع وتنمية سلوك المطالعة لدى النشء موضحة أن الكتب التي تشهد إقبالاً هي الروايات والدراسات والكتب البوليسية.
السيدة منى محمد مدرسة لغة عربية متقاعدة وقارئة موسوعية, تقول: بدأت علاقتي مع الكتاب والقراءة منذ الطفولة المبكرة فتأسيس مكتبة ولو بعدد مجلات وقصص أطفال ملونة لا تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة كان ميزة ومبعث تفاخر بذلك الزمان فالمكتبة غذاء للعقل وهي مخزون معرفي لإعلاء قيمة الوعي والاختلاف والتنوع, وتحولت القراءة لهواية وهوس واليوم يوجد بمكتبتي أكثر من 6 آلاف كتاب من مختلف المواضيع.
وتضيف الزمن تغير أحفادي وأولادي لا يحبون القراءة الكل منصرف إلى جهازه الخلوي الخاص مغلق على عالمنا ومفتوح على عوالم افتراضية غريبة عن عاداتنا وقيمنا.
وأضافت أن المكتبة التي قضيت عمري بجمعها والحفاظ عليها والتي كنت ارتب لتركها إرثاً لأولادي من بعدي, هي كنز معرفي وثقافي سيكون مصيرها البيع أو التلف, فهل ينتقم جيل الأبناء من جيل الآباء، ببيع المكتبات، تحت حجة أن أزمان ليس للكتاب المطبوع والآباء الذين اهتموا بالكتاب ماتوا.
ليؤكد سامي الياس كاتب قصة قصيرة وأستاذ لغة عربية بمدارس حمص, أن بداية علاقته مع الكتاب كانت بسن المراهقة حيث اكتشف المكتبة العامة في دار الثقافة، حملته إلى دهشة عوالم الأدباء العرب كالمنفلوطي، والرافعي، وإحسان عبد القدوس، وطه حسين، وفي مرحلة لاحقة ساهم معرض دائم للكتب السوفييتية بسهولة الحصول على الكتب بأسعارها شبه المجانية، فتعرف على غوغول، ودستوفسكي، وتشيخوف ورسول حمزتوف وسواهم من إعلام الأدب الروسي, ومن ثم أصبحت بسطات الكتب وجهة دائمة لاقتناء ما يحتاج.
وأضاف: بحزن واضح اليوم تحولت المكتبات الكبيرة لمقاهي والصغيرة لمحال بيع أحذية, وموبايلات، ويختتم وبثقة العارف أنه بالرغم من انتشار وسائل الاتصال السريعة سيظل للمكتبة دورها المميز بحياتنا.
الشاعرة والكاتبة غادة اليوسف التي أسست مكتبة كبيرة في منزلها جمعت على سنوات ما يقارب 5000 عنوان أو أكثر، أكدت: يؤسفني أن العمر محدود، ورغبتي بالاطلاع لا تحد، علاقتي بها علاقة عميقة تتجاوز العشق والصداقة، والقراءة ملاذي ومكتبتي صومعتي انهل منها ولا أرتوي، وتقول اليوسف أن مكتبتها متاحة للإعارة من كافة الأعمار والشرائح، وسعادتها بأن يطلب منها أحدهم كتاباً للقراءة، فتختار ما يناسبه ، لتشجعه على غواية القراءة, مشيرة أن العلاقة مع الكتاب والمكتبة تعدت العناوين لتصبح تاريخاً ذاتياً لمراحل حياتها وسيرة ذاتية بطريقة ما.
أما السيدة صبا منصور صاحبة مكتبته دار الهدى للنشر والتوزيع والمعارض فكان لها رأي آخر بأن الإقبال على القراءة لم يخبو أو يتراجع بل يشهد بالسنوات الأخيرة ازدهاراً ملحوظاً من فئة الشباب واليافعين, والطلب على اقتناء الروايات في ازدياد مستمر خصوصاً الروايات العالمية والمترجمة منها كروايات هاروكي موراكي ويوسا فرغاس ويوهان قاموق واليف شافاك إلى جانب ميلان كونديلاو ايزابيل الليندي والعديد من الكتاب العرب خاصة من الجيل الجديد.