الوقت ينفد لإنقاذ اسطنبول من زلزال مدمر.. يتوقعه العلماء في المستقبل القريب!!
“البعث الأسبوعية” ــ لينا عدره
دقت الزلازل المدمرة الأخيرة في جنوب شرق تركيا جرس الإنذار بشأن الاستعدادات البطيئة لزلزال أرضي تتحسب له إسطنبول منذ فترة طويلة ولا يستبعد العلماء وقوعه في المستقبل القريب، مع احتمال حدوث عواقب كارثية على المدينة التاريخية الأكثر اكتظاظاً بالسكان في تركيا والمركز الاقتصادي لها.
وكانت زلازل السادس من شباط، والتي بلغت قوتها 7.8 و7.6 درجة، ما أسفر عن وفاة أكثر من خمسين ألف شخص وتدمير آلاف المباني في 11 مدينة، هي الأكثر مأساوية في تركيا المعرضة للزلازل منذ أن ضربت هزتان قويتان مناطق شمال غرب تركيا، بالقرب من اسطنبول، في عام 1999، وأسفرتا عن وفاة حوالي عشرين ألف شخص.
ومنذ عام 1999، حذر علماء الزلازل من أن اسطنبول نفسها معرضة لخطر حدوث زلزال كبير في المستقبل القريب بسبب الإجهاد الزلزالي المتراكم في محيط المدينة، أسفل بحر مرمرة على الطرف الغربي من صدع الأناضول الشمالي، أحد خطوط الصدع الأكثر نشاطاً في العالم.
وأشار ناسي غورور، عالم الزلازل التركي الشهير، في تصريحات له قبل أيام، إلى أن البحث العلمي بعد زلازل عام 1999 حدد احتمال حدوث 62٪ من زلزال إسطنبول الكبير في غضون 30 عاماً. مرت ثلاثة وعشرون عاما، ولا يزال يتعين علينا الاستعداد بشكل كاف.. الوقت ينفد حيث يتراكم الضغط على هذا الخطأ يوماً بعد يوم. لذلك كلما مر الوقت، ازدادت مخاوفنا.
وفقاً لجلال سينجور، عالم الزلازل الرائد الآخر، فإن من المرجح أن يؤدي التمزق المتوقع إلى زلزالين متتابعين بسرعة، كل منهما بقوة 7.2، أو ينتج هزة واحدة بقوة 7.6 إلى 7.8. في تهديد إضافي للأحياء المطلة على البحر في اسطنبول، وهناك أيضاً خطر حدوث تسونامي بارتفاع يصل إلى ثمانية أمتار، حسبما قال سينجور.
ويشك علماء، مثل أستاذ الجيوفيزياء أحمد إركان، بأن الهزة الكبيرة قريبة كما يعتقد معظم زملائهم. ويتابع إردان: “ستكون مفاجأة إذا حدث زلزال اسطنبول المرتقب قبل عام 2045”.
ومع ذلك، لا يتفق الكثيرون على الدمار الهائل الذي ستلحقه هزة قوية بالمدينة المكتظة بالسكان ما لم تتخذ السلطات تدابير عاجلة لإخلاء أو إعادة تأهيل عشرات الآلاف من المباني المعرضة للخطر. وما يغذي هذه المخاوف هو مشكلة تركيا المزمنة المتمثلة في البناء الرديء وسوء تطبيق قوانين البناء، والتي يُلقى باللوم فيها على الفساد والمحسوبية.
وفي أعقاب هزات عام 1999، شددت تركيا لوائح البناء وأدخلت معايير مقاومة الزلازل، ولكن االعديد من المباني الحديثة قد انهار في زلازل 6 شباط، ما أثار مخاوف من أن المباني الجديدة الأخرى التي تم الإعلان على أنها مقاومة للزلازل قد لا يمكن الاعتماد عليها أيضاً.
ويبلغ عدد سكان اسطنبول رسميا 16 مليونا، لكن العدد الحقيقي يقدر بنحو 20 مليونا. وإذا أضفنا أعداد السكان في المحافظات المجاورة مثل كوجالي وبورصة وتكيرداغ، من المحتمل أن يؤثر زلزال قوي في اسطنبول بشكل مباشر على 28 مليون شخص، أي ثلث سكان تركيا، ناهيك عن الهزات الاقتصادية بعيدة المدى للدمار في قلب البلاد الصناعي والمالي..
وتظهر الأرقام الرسمية أن اسطنبول وحدها تساهم بنسبة 30٪ من الناتج المحلي الإجمالي لتركيا. وترتفع الحصة إلى ما يقرب من 45٪ بمساهمة المناطق المحيطة، والتي تعد أيضاً موطناً للتجمعات الصناعية الرئيسية.
عدم الاستعداد
قال غوركان أكغون، رئيس تخطيط المدن والشؤون الحضرية في بلدية إسطنبول، إن عدد المباني في اسطنبول بلغ 1.020.000 اعتباراً من عام 2022. منها 73٪ تم بناؤها قبل عام 1999 وتضم حوالي 10 ملايين شخص. وأضاف بأن التقديرات تشير إلى أن 90 ألف مبنى ستسوى بالأرض، أو ستضرر بشدة في الزلزال الكبير المتوقع في المدينة، بينما سيعاني 170 ألف مبنى آخر من أضرار متوسطة. وأضاف أنه من المتوقع أن يتأثر حوالي 5 ملايين شخص بشكل مباشر بالمباني المنهارة أو المتضررة، والتي تم تشييد معظمها قبل عام 1999.
وقال أكغون: “إننا نواجه وضعاً مقلقاً للغاية”. نحن بحاجة إلى تعبئة جادة لتجديد المدينة. ويجب على الجميع تحمل المسؤولية، بما في ذلك جميع مؤسسات الدولة وبلدية العاصمة وبلديات المقاطعات والمواطنين”.
وحذر قائلاً: “أمامنا طريق طويل لنقطعه، لكن الوقت ينفد”.
إن ما يسمى بجهود التحول الحضري، التي تهدف إلى ضمان مقاومة الزلازل، جارية في إسطنبول
والمدن الأخرى في السنوات الأخيرة، لكن التقدم كان بطيئاً، لأسباب ليس أقلها أن العديد من السكان يفتقرون إلى الوسائل اللازمة لتغطية تكلفة هدم المباني السكنية وإعادة بنائها أو شراء الوحدات في المباني المشيدة حديثاً.
لتوضيح حجم الدمار الذي يمكن أن يسببه زلزال إسطنبول المتوقع في الظروف الحالية، قال غورور إن إزالة ما يقدر بنحو 35 مليون طن من الأنقاض وحدها قد يستغرق من ثلاث إلى خمس سنوات.
وأضاف أمام تجمع من رجال الأعمال في وقت سابق من هذا الأسبوع،: “الزلزال المتوقع في اسطنبول سيوقف عجلة الاقتصاد عبر منطقة مرمرة. وبالكاد يمكن لمجتمع الأعمال الإدعاء بأنه مستعد للزلزال”.
وحذر من أنه “ومع توقف العجلات الاقتصادية في منطقة مرمرة، ستقع تركيا على ركبتيها اقتصادياً”.