سياسيون بنظريات قديمة
عناية ناصر
أعلنت نيكي هايلي، حاكمة ولاية ساوث كارولينا السابقة، وسفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، ترشّحها لمنصب رئاسة الولايات المتحدة، فما مدى الجدية التي يجب التعامل بها مع هذا الترشح؟.
ربما هايلي نفسها لا تأخذ الأمر على محمل الجد، خاصة وأن المحللين اعتبروا أن هذه الخطوة تشكل أول تحدٍّ كبير لترشح الرئيس السابق دونالد ترامب عن الحزب الجمهوري للانتخابات الرئاسية لعام 2024، وطالما أن ترامب لا يزال في السباق الرئاسي، فلا ينبغي على الجمهوريين الآخرين توقع الكثير.
لكن على الرغم من ذلك، هناك بصيص أمل ضئيل، حيث يخضع ترامب لتحقيق جنائي لتعامله مع وثائق حكومية حساسة بعد ترك منصبه، وهذا يعني أنه قد يخسر فرصة الترشح للرئاسة مرة أخرى، حيث تستعد شبكة “أمريكيون من أجل الرخاء”، التي تضمّ جماعات سياسية دعمت مئات المحافظين، والتي تعتبر ضمن القوى الأكثر نفوذاً في السياسة الأمريكية على مدار الـ15 عاماً الماضية، لإلقاء مئات الملايين من الدولارات والثقل وراء مرشح جمهوري واحد، بخلاف ترامب، في الانتخابات التمهيدية الرئاسية لعام 2024. وبالتالي، قد تكون هايلي متحمّسة للقيام بخطوة مبكرة.
لكن من المعروف للجميع أن ثقافة تفوق البيض، أو تفوق الذكور البيض، قد أصبحت سائدة بالكامل في الحزب الجمهوري، وبناءً على ذلك هناك أمل ضئيل في أن تبرز النساء أو الأقليات.
وسيجري رعاة المرشحين والمانحين أيضاً عملية حسابية قبل حشد الأموال خلف شخص محدّد، ومن المحتمل جداً أن عدداً قليلاً جداً من الأمريكيين ليس لديهم فكرة عن هايلي، أو عن أحد مناصبها السابقة، فهي ليست على “رادار” انتباه الشعب الأمريكي.
وخلال حديثها في أول تجمع حاشد لها في تشارلستون، ساوث كارولينا، عرضت هايلي خلاصة آرائها السياسية والخارجية، والتي تعتبر صعبة ومتشدّدة بشكل غير عادي، حيث تعهدت بأنه في ظل قيادتها، ستنتهي الصين – وفق زعمها- مثل الاتحاد السوفييتي. ومثلها مثل العديد من السياسيين الأمريكيين الآخرين، تضع هايلي عينيها على الجانب الآخر من الكرة الأرضية، بينما تتجاهل الانحلال والاضمحلال المحلي للولايات المتحدة، حيث تحتاج إلى حلّ بخلاف أي شيء آخر، وإلا فإنها ستتحرك نحو مزبلة التاريخ.
على سبيل المثال، تردّدت كلّ من الحكومة الأمريكية ووسائل الإعلام في الإبلاغ عن مشكلة التسرب الكيميائي في أوهايو، والتي وصفها مستخدمو الإنترنت في الداخل والخارج على أنها كارثة “من مستوى تشيرنوبيل” للولايات المتحدة، لكن الأمر الأكثر إثارة للسخرية هي عندما أثيرت ضجة كبيرة حول منطاد مدني لأغراض الأرصاد الجوية.
إن مأساة أوهايو هي إلى حدّ كبير مشكلة تدهور البنية التحتية في الولايات المتحدة، فقد قدّم كلّ من الرئيس باراك أوباما ودونالد ترامب إلى جو بايدن، وعوداً طموحة لتعزيز البنية التحتية للولايات المتحدة، لكن.. ماذا قدموا بعد ذلك؟ مرّر بايدن بعض مشاريع القوانين ذات الصلة، مع القليل من المال، بعيداً عن مبلغ الميزانية للدفاع والاستخبارات.
كما يجب ألا ينسى أحد أن معدل الجريمة آخذ في الارتفاع، وكذلك عمليات إطلاق النار الجماعية، لكن يبدو أن النخب والسياسيين والخبراء الأمريكيين لا يهتمون بذلك، إنهم لا يريدون فتح أعينهم وإلقاء نظرة فاحصة على وطنهم، ولا يمكنهم سماع الصرخات في مكان قريب، وكل ما يركزون عليه هو المنطقة البعيدة عن الولايات المتحدة، في انتظار أن ينتهي الأمر بالصين حسبما يرغبون.
يوضح خطاب هايلي الاتجاه الذي يشعر به أي سياسي مقاتل يتحدث بشكل كبير أنه مؤهل للترشح لمنصب رئيس الولايات المتحدة، حيث تشير استطلاعات الرأي إلى أن الحملات الرئاسية المقبلة ستجعل معاداة الصين أكبر موضوع، فهل من المفترض أن يكون لرئيس أو دبلوماسي مختص مثل هذا الأسلوب والنهج القاسي؟.
تمرّ السياسة الأمريكية بحقبة التحول من جيل بايدن إلى جيل الشباب، حيث نشأ أولئك الذين ولدوا في الستينيات أو السبعينيات، خلال الحرب الباردة، وكان كلّ تعليمهم مليئاً بعقلية الحرب الباردة، ونظرياتهم ليست مناسبة لهذا اليوم، وبعضها لا يستحق حتى أي دحض.
إنه لأمر مؤسف أن عقليتهم قد ترسّخت، وخطاب هايلي دليل على ذلك، وفي حال لم تستيقظ هايلي وأمثالها، فإن الولايات المتحدة، بقيادة سياسيين بنظريات قديمة، هي التي تخاطر بالسير بعيون مفتوحة نحو مزبلة التاريخ.