هزات أسواق حلب الارتدادية أشد وقعاَ وألماً من تبعات الزلزال
البعث الأسبوعية – معن الغادري
لم يعر البعض ما أحدثه الزلزال الذي ضرب حلب في السادس من الشهر الحالي / شباط / من أضرار كبيرة في الأرواح والأملاك، ولم يشفع للأهالي إعلان حلب – مدينة منكوبة – فبعد مرور تسعة عشر يوماً على الكارثة، بدأت تداعيات الزلزال تظهر بشكل واضح، بالرغم من كل الجهود الرسمية والأهلية في تسريع عملية التعافي وإزالة آثار الزلزال المدمر، إذ استمرت استمرت الأسر المتضررة والمصابة بنوبات الخوف والهلع من حدوث هزات جديدة بافتراش الشوارع والساحات العامة والحدائق والجلوس في السيارات لساعات طويلة، وفي المقابل وبدلاً من التعاطي مع تداعيات و مفرزات الكارثة بروح عالية من المسؤولية الوطنية والمجتمعية والإنسانية، ذهب البعض في استغلال هذه الظروف الصعبة والقاسية على الجميع أبشع استغلال، لجهة تقويض ما تبذله الجهات الرسمية والأهلية من جهود نبيلة وجبارة في التخفيف من معاناة الأهالي المنكوبين، إذ يستغل أصحاب البيوت في هذا الظرف الاستثنائي حاجة الناس الى منازل بديلة مؤقتة، فيقومون برفع قيمة آجار البيوت بصورة غير منطقية وبمبالغ خيالية، لا قدرة للأهالي على دفعها وتأمينها، إذ بلغت بورصة آجار المنازل بمختلف سوياتها إلى أعلى معدلاتها، حيث تتراوح آجار المنازل المتوسطة والجيدة نسبياً في عدد من المناطق والأحياء بين 10 ملايين و20 مليوناً في السنة.
ويشير أحد الناجين من الزلزال أنه اضطر لبيع مصاغ زوجته لتأمين مأوى مؤقت لأسرته وأطفاله، ويقول آخر ليس لدي المال الكافي لإستئجار منزل، وسأبقى في مراكز الإيواء مع أسرتي لحين النظر بحالتي الصعبة من قبل الجهات المعنية، والتي تشبه حالة الآلاف من الأسر المتضررة.
أما السيدة أم علي فأشارت إلى أن الارتفاع المفاجىء بآجارات المنازل حال دون حصولها على منزل مؤقت لحين ترميم منزلها من التصدعات، مبينة أنها حصلت على بعض الإعانات من بعض الجمعيات وهي تنتظر أن تصلها حوالة مالية من ابنتها التي تعيش في إحدى الدول العربية لتستطيع أن تؤمن قوت يومها مع أولادها، ويرى أبو محمد والذي استقر مع أسرته على أحد الأرصفة ضمن ما يسمى – بالصيوان – أنه خسر منزله ولا يملك المال لشراء أو استئجار منزل، وسأبقى في هذا المكان لحين تتوضح الأمور ونعرف ما ستؤول إليه أحوال المدينة.
ارتفاع جنوني في الأسعار…
حال الأسواق ليس بأفضل من غيره، فالارتفاع اللحظي واليومي في الأسعار زاد من معاناة الأهالي المتضررين وغير المتضررين على السواء، إذ تشهد أسعار مجمل المواد الغذائية واللحوم البيضاء والحمراء ومشتقات الألبان والأجبان والبيض، والخضار والفواكه ارتفاعاً غير مسبوق، ما خفض بشكل واضح من حركة العرض والطلب، والتي وصلت إلى أدنى مستوياتها في ضوء اصرار كبار وصغار التجار على استغلال هذه الظروف لتحقيق المزيد من الأرباح على حساب قوت المواطن اليومي، والذي لم يعد قادراً على تأمين نصف وجبة يومياً قياساً على دخله المتواضع والذي يكاد يكون معدوماً.
ويوجه الأهالي من خلال منبرنا الإعلامي – البعث – نداء استغاثة لمجلس محافظة حلب والجهات الرقابية المتمثلة بحماية المستهلك، بضرورة التدخل الفوري لإيقاف هذا النزيف اليومي لحاجات الناس ومدخراتهم، وتوضح الشكاوى أن غياب الرقابة وعدم القدرة على ضبط الأسواق والأسعار، سيشكل كارثة حقيقية بحجم كارثة الزلزال وربما أكثر تأثيراً وقسوة، خاصة أن الأمر يتعلق بقوت وحياة المواطنين.
فوضى الأمبيرات…
من جديد يتقدم ملف الأمبيرات على باقي الملفات المعيشية، والذي لم يكن بمنأى عما يحدث من خلل وفوضى، إذ وبالرغم من توفر مادة المازوت وانخفاض سعر المادة في السوق السوداء إلى أدنى مستوياتها، دخل أصحاب المولدات على خط الاستغلال والجشع وتعمدوا رفع إسعار الإشتراك ليتجاوز مبلغ / 40 / ألف ليرة للأمبير الواحد أسبوعياً، وهو أمر لاقى استهجاناً كبيراً من قبل الأهالي الذين وجدوا أنفسهم فجأة بين مطرقة تداعيات وتبعات الزلزال ومطرقة الجشع والإستغلال من قبل التجار وأصحاب الأمبيرات على وجه التحديد.
صفة تعاود عملها…
في ضوء ما سبق عادت شركة صفة للمواقف المأجورة عملها صباح اليوم، ما ترم الكثير من اشارات الاستفهام حول طبيعة إدارة الأزمة وأحوال المدينة المنكوبة بقرار من الحكومة.
وتجمع الأراء بأن عودة عمل شركة صفة للمواقف المأجورة بعد 19 يوماً من تاريخ كارثة الزلزال المدمر أمر مستهجن وغير مرحب به على الاطلاق لا من قريب ولا من بعيد، ومن شأنه أن يعيق الجهود الإغاثية والإنسانية ويتسبب في إحداث فوضى مرورية، نتيجة الإزدحام المتزايد يومياً في كافة مناطق وشوارع حلب.
ويقول المواطنون حلب المنكوبة بحاجة لمن يلملم مصابها وليست بحاجة إلى مواقف مأجورة، ويرى أخرون أنه على مجلس المدينة الذي أبرم العقد مع الشركة الضغط على الشركة لإيقاف العمل لفترة إضافية لا تقل عن ثلاثة أشهر، لحين إعادة الحياة للمدينة وإزالة أثار الزلزال، وبإمكان مجلس المدينة تعويض الشركة عن فترة التوقف هذه بإضافة المدة على العقد المبرم مع الشركة بموجب القوانين المسموح بها في مثل هذه الحالات التي تتعرض لها المدن إلى كوارث طبيعية.
في سياق متصل ، وردتنا شكاوى كثيرة من عمال شركة صفة، تفيد بأن الشركة أبلغتهم بأن فترة التوقف القسرية عن عمل الشركة خلال الأيام الماضية لن تكون مأجورة، وبالتالي لن يتقاضوا راتبهم الشهري.
وبين عدد من عمال الشركة طلبوا عدم ذكر اسمهم، أن شأنهم شأن غيرهم، لحقهم الضرر المادي والمعنوي والنفسي حراء الزلزال، ومنهم من أصيب وفقد منزله، فهل يعقل أن يفقد راتبه وهو المصدر الوحيد لتأمين قوت أطفاله.
ومنا إلى إدارة الشركة لإعادة المظر بقرارها، وذلك من منطلق الحالة الإنسانية وأسوة بباقي المؤسسات والمديريات الحكومية والخاصة، والتي سارعت إلى المساهمة في دعم العمل الإغاثي والإنساني وبلا تردد وتوظيف كل إمكاناتها للتخفيف من وجع وألم الكارثة الذي أصاب الجميع دون استثناء.