هوس أمريكا الصفري بالهيمنة هو التهديد العالمي الرئيسي
البعث الأسبوعية- سمر سامي السمارة
دخلت الحرب في أوكرانيا الآن عامها الثاني، وقد شهد الصراع العديد من الانعطافات والتحولات على مدار الاثني عشر شهراً الماضية، لكن يبدو أن هناك تطوراً أساسياً لا يمكن تجنبه أو التهرب منه، حيث برز أن عداء الولايات المتحدة وهوسها الصفري بالهيمنة الإمبريالية، هو التهديد العالمي الرئيسي.
وبالمعنى الدقيق للكلمة، تدخل الحرب في أوكرانيا عامها العاشر، وذلك لأن جذور الصراع يعود لانقلاب كييف الذي دعمته وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، وعملاء آخرين في الناتو في شهر شباط 2014، حيث قامت الولايات المتحدة وشركائها في الناتو بتسليح النظام النازي الجديد الذي نصبته في ذلك الوقت ومازال مستمراً في السلطة حتى اليوم، كما قامت بتقديم الدعم له سراً للاعتداء على السكان الناطقين بالروسية في جنوب شرق أوكرانيا. لذا كان واضحاً أن الهدف الأكبر للنظام هو جر الاتحاد الروسي إلى المواجهة الوجودية التي تجري الآن.
تشدد الحكومات الغربية ووسائل إعلامها الدعائية على الرواية غير المنطقية بأن روسيا شنت حرباً غير مبررة على أوكرانيا، كما تعمل وسائل الإعلام الرئيسية مثل (نيويورك تايمز، وواشنطن بوست، والغارديان، وفاينانشال تايمز، وبي بي سي، وسي إن إن ودي دبليو وفرانس 24) وما إلى ذلك، على تشويه الحقائق المتعلقة بالسنوات الثماني السابقة على اندلاع الحرب.
ومع ذلك، برزت بعض الأصوات التي غردت خارج سرب الإعلام الغربي، مثل الباحث الأمريكي في العلاقات الدولية البروفيسور جون ميرشايمر، الذي أكد أن الحرب في أوكرانيا كانت نتيجة لتوسع الناتو، وحلف شمال الأطلسي المتواصل تجاه روسيا على مدى سنوات عديدة، وأن أوكرانيا لم تكن سوى رأس حربة وجهها الغرب نحو روسيا.
تؤكد مصادر أخرى في ساحة المعركة في منطقة دونباس، أن نظام كييف المدعوم من حلف شمال الأطلسي كان يصعد عدوانه خلال شباط من العام الماضي قبل العملية العسكرية الروسية، الأمر الذي يفسر سبب توقع الرئيس الأمريكي جو بايدن بثقة في بداية العام الماضي أن القوات الروسية “ستغزو” أوكرانيا، حيث كان الممولون الأمريكيون في نظام كييف يعلمون أن روسيا ستضطر إلى التدخل من أجل إحباط هجوم وشيك على السكان الناطقين بالروسية داخل الحدود الأوكرانية آنذاك.
ومنذ ذلك الحين، انفصلت منطقة دونباس عن أوكرانيا في الاستفتاءات التي أجريت العام الماضي، وانضمت إلى الاتحاد الروسي على خطى شبه جزيرة القرم. ومع ذلك، تتحدث وسائل الإعلام الغربية عن قيام روسيا “بضم” دونباس وشبه جزيرة القرم، متجاهلةً الاستفتاءات التي تحقق منها المراقبون الدوليون، كما تتجاهل في تقاريرها الإعلامية، الإشارة إلى قيام الولايات المتحدة بعمل إرهابي دولي من خلال تفجير خطوط أنابيب “نورد ستريم” قبل خمسة أشهر.
ومما يؤسف له حقاً، أن الأعمال العدائية في أوكرانيا تفاقمت وطال أمدها دون داع، بسبب التدفق الهائل للأسلحة الأمريكية وحلف شمال الأطلسي إلى ذلك البلد، فقد تم ضخ ما لا يقل عن 100 مليار دولار من الأسلحة إلى نظام كييف الذي يمتلك جيشاً معظم جنوده على غرار الفاشيين الأوكرانيين الذين تعاونوا مع الرايخ الثالث النازي في الحرب العالمية الثانية.
قبل أيام قليلة، تعهدت إدارة بايدن بتقديم ملياري دولار أخرى كمساعدات عسكرية لنظام كييف، بما في ذلك إعادة الإمداد براجمة الصواريخ “هيمارس” بعيدة المدى، حيث يتم استخدام المدفعية المتطورة التي قدمتها الولايات المتحدة لاستهداف وقتل المدنيين في منطقتي دونيتسك ولوغانسك اللتين أصبحتا الآن جزءاً من الاتحاد الروسي.
تتجلى الانعكاسات الخطيرة، بأن حرب الولايات المتحدة، وحلف شمال الأطلسي ضد روسيا، حيث لم تعد حرباً بالوكالة للدعم غير المباشر، فزيارة الرئيس بايدن إلى كييف مؤخراً، والحديث المضحك حول “الدفاع عن الديمقراطية العالمية” ضد “العدوان الروسي” يظهران بوضوح أن واشنطن تقود الصراع والمهزلة الخطيرة لخداع العالم.
في شباط من العام الماضي، أحبطت روسيا الهجوم الذي شنه النظام النازي المدعوم من حلف شمال الأطلسي ضد منطقة دونباس، وتم إنقاذ حياة عدد لا يحصى من الأرواح. ومع ذلك، يواصل المواطنون في الأجزاء المشكَّلة حديثاً من روسيا العيش في ظل ظروف مميتة فرضها محور الناتو، فقد لقي العديد من المدنيين في بتروفسكي بالقرب من مدينة دونيتسك مصرعهم، بما في ذلك عمال الإسعاف، بسبب القصف المدعوم من الناتو.
تصاعدت الحرب في أوكرانيا إلى حرب وجودية لا تقبل روسيا خسارتها، وبالمثل، فإن الاستثمار المالي والسياسي من قبل واشنطن وحلفائها الإمبرياليين هو من النوع الذي يجعلهم يواجهون أيضاً تحدياً وجودياً بحيث لا يمكنهم التراجع.
في الحقيقة، الجهود الدبلوماسية أو السياسية لإيجاد حل سلمي تبدو ضعيفة للغاية، فعلى الرغم من كشف الصين عن خطة سلام مؤلفة من 12 نقطة لحل الصراع في أوكرانيا، لكن سرعان ما رفض القادة الأمريكيون والأوروبيون هذه الخطة أو قاموا بتقويضها، فالمشكلة الأساسية تتمثل في سعي واشنطن وأتباعها الإمبرياليين إلى نتيجة هيمنة محصلتها صفر، بحيث تُهزم روسيا، مما سيمهد الطريق لطموحات أكبر لمواجهة الصين.
إن الحرب في أوكرانيا هي في الحقيقة مظهر من مظاهر القوى التاريخية الكامنة، فقد أدت النهاية المفترضة للحرب الباردة في عام 1991 في أعقاب انهيار الاتحاد السوفييتي، إلى عقود لاحقة من الفوضى العسكرية الأمريكية الجامحة وحروب الإفلات من العقاب. وبناءً عليه، يمكن للمرء أن يذهب إلى أبعد من ذلك ويؤكد أن الولايات المتحدة وعصابتها الإمبريالية هم ورثة مهمة الرايخ الثالث لغزو الأراضي الشاسعة لروسيا.
دعمت القوى الرأسمالية الغربية صعود الرايخ الثالث، وقامت لفترة وجيزة فقط بتغير مواقفها على نحو ملائم لهزيمة ألمانيا النازية في عام 1945، من أجل أن تستأنف القوى الغربية بسرعة الهدف التاريخي المتمثل في هزيمة روسيا تحت ستار الحرب الباردة. والحقيقة هي أن الحرب الباردة لم تنتهِ أبداً، وذلك لأن نظام إثارة الحروب الرأسمالي بقيادة أمريكا لم ولن ينتهي أبداً، وفي ظل هذه العقلية لن يكون هناك أي سلام.
جدير بالذكر، أن مبعوث روسيا لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا، استشهد في خطابه أمام مجلس الأمن مؤخراً، بأرقام أظهرت أن الولايات المتحدة شاركت في تدخلات عسكرية أجنبية غير مشروعة في أكثر من 250 دولة منذ النهاية المزعومة للحرب الباردة قبل نحو ثلاثة عقود.
ومن جانبها، انتقدت الصين الولايات المتحدة باعتبارها المحرض الرئيسي للصراعات العالمية، مؤكدةً أن 80 في المائة من الحروب الخارجية والأعمال العدائية تُعزى إلى الأعمال الأمريكية السرية والعلنية.
في هذا السياق، ليس هناك أي دولة في العالم، شاركت وحرضت على الانقلابات وعمليات تغيير النظام والقتل الجماعي والاغتيالات مثلما فعلت الولايات المتحدة، لدرجة أن دولتها العميقة اغتالت أحد رؤساءها، وهو جون إف كينيدي في عام 1963 لوقوفه في طريق الأهداف الإمبريالية.
في عالم القصص الخيالية للحكومات الغربية ووسائل إعلامها، يتم تصوير الحرب في أوكرانيا بشكل مثير للسخرية، على أنها تدور حول “الدفاع عن الديمقراطية والحرية”. والحقيقة هي أن أوكرانيا أصبحت مضرب حرب مليئاً بالمال، حيث تسيل لعاب الحرب الغربية والصناعات المصرفية من الأرباح التي سهلت عليها عصابة فاسدة في كييف مدعومة من قبل القوات شبه العسكرية ومرتزقة الناتو الذين يقتلون المدنيين الروس.
تخوض الولايات المتحدة وشركاؤها في الناتو حرباً إمبريالية “حتى آخر أوكراني” وتوريث دولة فاشلة أخرى كما فعلوا في أماكن أخرى في أفغانستان والعراق وليبيا والصومال وغيرها. لكن هذه المرة، تدفع الإمبراطورية الأمريكية لشن حرب ضد روسيا، التي لن تتراجع، حيث تتنافس قوتان وجوديتان بشكل تدريجي. لكن إذا أراد العالم أن يعيش بسلام، فلا بد له من هزيمة الولايات المتحدة ونظام حربها الرأسمالي.