المرتزق الأمريكي.. مجرّد تسريبٍ لنصر استخباري
تحليل إخباري
ليس خافياً على أحد أن جزءاً كبيراً من المعركة الدائرة الآن في أوكرانيا بين الغرب من جهة وروسيا من جهة ثانية، إنما هو حرب استخبارات تحتل حيّزاً مهمّاً من المعركة، وذلك لأن المعلومات الاستخبارية تساعد كثيراً على معرفة قدرات الخصم وخططه وانتشار قوّاته.
وكان لافتاً ما جاء في مادة حصرية لمراسل RT في منطقة العملية العسكرية الخاصة، مراد غازدييف، من أن المرتزق الأمريكي جون ماكنتاير انشقّ عن “الفيلق الأجنبي” للقوات الأوكرانية بعد خدمة عام هناك.
ماكنتاير، الذي انتقل إلى الجانب الروسي قاتل أيضاً في صفوف كتيبة المتطرّفين الأوكرانيين “كاربات سيتش”، بمعنى أنه قاتل في كتيبة نازية بامتياز، وهذا يعني أن وصوله إلى هذه الكتيبة للقتال يفرض أوّلاً إيمانه بالعقيدة النازية، وبالتالي ينبغي على الجهة التي جنّدته للقتال إلى جانب الجيش الأوكراني أن تتحقّق من طبيعة توجّهاته.
المرتزق ذكر أنه سلّم العسكريين الروس، بعد انشقاقه، كل الأوراق والملفات والمعلومات الاستخبارية والخرائط التي جمعها خلال وجوده في أوكرانيا، أي أنه كان يعكف بشكل منظّم ربما على جمع هذه المعلومات، وهذا جهد استخباري واضح لا يتأتّى إلا بموجب توظيف مسبّق في هذا المجال، ومن هنا يمكننا أن نتوقّع مثلاً أن الاستخبارات الروسية عندما علمت بقيام السفارة الأوكرانية في واشنطن بتجنيد مرتزقة أمريكيين بموافقة وكالة المخابرات المركزية الأمريكية “سي آي إيه” طبعاً، عملت على زرع هذا الرجل بين هؤلاء، ومن ثم غادر كغيره إلى أوكرانيا للقتال هناك.
وما يرجّح بالفعل هذه الفرضية، أن المصدر تحدّث عن أن المرتزق تبيّن من كلامه، أنه خطط منذ البداية للانشقاق: “أنا شيوعي، معادٍ للفاشية. قرّرت جمع أكبر قدر ممكن من المعلومات المفيدة والفرار عبر خط المواجهة إلى الجانب الروسي. عندما كنت في خاركوف أردت تنفيذ ذلك عبر السباحة إلى هناك، لكنني لاحظت وجود قناصين مهمّتهم قتل كل من يحاول الفرار”.
الرجل صرّح أنه شيوعي معادٍ للفاشية، ولا يمكن أن تمرّ هذه القناعة مرور الكرام عند النازيين الأوكران الذين قاتل إلى جانبهم، بل إن مجرّد ذكر هذه الميول يمكن أن يؤدّي إلى تصفيته، فكيف استطاع أن يستمرّ طوال هذه الفترة دون انكشاف أمره لولا أنه كان بالفعل يتحيّن الفرصة المناسبة للفرار من بين أيديهم.
ووفقاً له، يستخدم النازيون المتعصّبون في أوكرانيا التحية الفاشية، بما في ذلك المرتزقة من كرواتيا وجمهورية التشيك، وقال: “على الجميع هناك يوجد هذا الوشم النازي أو ذاك.. في مرحلة ما، أزعجوني بأسئلة حول آرائي الشيوعية. قلت لهم: إنني مناهض للفاشية، جئت لأقاتل الإمبرياليين والنازيين الروس، لكنهم ردّوا بالقول: لا، الروس ليسوا نازيين – نحن نازيون”.
ويبدو أن هذه الفكرة الأخيرة يحاول الناقل من خلالها أن يوحي بأن المرتزق بالفعل لديه خلط وجهل في المصطلحات، بينما هو في الحقيقة يريد إيصال معلومة واضحة وهي أن مَن يقاتل في أوكرانيا هم النازيون الجدد، وأن الروس مناوئون لهم، وبالتالي جاء حديث الوشم ليثبت أن الحرب بأكملها إنما هي حرب بين النازية الجديدة المدعومة من الغرب الجماعي، والروس الذين هم بطبيعة الحال معادون للفكر الإمبريالي والنازي.
ولا يخفى على أحد أن الخبر بالنتيجة وفقاً لسياقه الحالي يُراد منه إعطاء انطباع أن هذا الحادث جاء بشكل عفوي، بينما يؤكّد الخبر من طرف خفي أن هناك رسالة واضحة أريد إرسالها للاستخبارات الأمريكية بأن الجيش الأوكراني، وخاصة الكتائب النازية، مخترق من الاستخبارات الروسية، وأن الأدلّة والوثائق التي حصلت عليها من مثل هذا العمل كثيرة، والخبر السابق مجرّد تسريب لجانب صغير من ذلك.
طلال ياسر الزعبي