اليمن في مواجهة أسوأ كارثة إنسانية
عناية ناصر
وصفت الأمم المتحدة الحرب المستمرة في اليمن منذ ثماني سنوات بأنها “أسوأ كارثة إنسانية في العالم”، وذلك نتيجة الأعداد الهائلة في الوفيات والدمار الكبير الذي لحق بالبلاد، حيث قُدّر عدد الضحايا من المدنيين بأكثر من مئة ألف، مع اتهامات بارتكاب جرائم حرب من قبل قوات التحالف.
في مؤتمر افتراضي عُقد في جنيف، في 27 شباط الفائت، وكان الهدف منه توفير مساعدات إنسانية، تعهّد المانحون الدوليون بتقديم نحو 1.2 مليار دولار، وهو رقم أقل بكثير من هدف الأمم المتحدة المقدّر بـ4.3 مليارات دولار. وفي هذا الخصوص قال فيران بويج، مدير منظمة أوكسفام في اليمن: “إن الأموال التي تمّ التعهُد بها ليست كافية، ولذلك يجب على العالم ألا يتجاهل اليمن وهو يواجه أسوأ أزمة إنسانية وإلا ستكون عواقب ذلك مأساوية”.
في الوقت الحالي، يعاني 17 مليون يمني من الجوع، وخطر الإصابة بسوء التغذية الحاد. ووفقاً لـ بويج: “المعاناة التي يمرّ بها اليمنيون تدمى لها القلوب، ومن المرجح أن يموت الكثير من اليمنيين ما لم يتمّ التبرع بالأموال اللازمة”. وفي ظلّ هذا الوضع الكارثي، يحتاج المجتمع الدولي أيضاً إلى دفع الأطراف المتحاربة بشكل عاجل نحو سلام تفاوضي، حيث دمرت ثماني سنوات من الحرب الاقتصاد اليمني، وخلقت موجات من البؤس للجميع.
وأضاف بويج: “أولئك الذين كانوا في السابق آمنين وقادرين على إعالة أنفسهم وأسرهم لم يعد بإمكانهم القيام بذلك، فهناك أزمة غذائية وأزمة عملة وأزمة صحية، والبلد بحاجة بالفعل لحالة دعم للحياة”.
وصفت اليمن بأنها “أفقر فقراء العالم” في منطقة الشرق الأوسط الغنية بالنفط، ولا تزال الأمم المتحدة تصنّفها على أنها واحدة من الـ46 بلداً الأقل نمواً، حيث تعتمد بشكل كبير على المساعدات الاقتصادية والإنسانية، بينما تكافح من أجل البقاء. وفي سياق متصل، قالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسيف” العام الماضي إن أكثر من 10 آلاف طفل قتلوا أو شوهوا منذ تصاعد الصراع، وأضافت اليونيسيف إن عدد القتلى والجرحى يعادل أربعة أطفال كل يوم، وتابعت: إن تلك الحوادث هي التي تمكنت الأمم المتحدة من التحقق منها، لكن من المرجح أن يكون الرقم الحقيقي أعلى من ذلك بكثير.
في المؤتمر الدولي للتبرعات، الذي استضافته حكومتا السويد وسويسرا، قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش: “إن عام 2022 انتهى بقدر من الأمل في مستقبل اليمن بعد سنوات من الموت والتهجير والدمار والمجاعة والمعاناة، حيث قدمت الهدنة مكاسب حقيقية للناس، ونتيجتها تمّ استئناف الرحلات الجوية المدنية من صنعاء، ووصلت الإمدادات الحيوية عبر ميناء الحديدة، لكن الهدنة سقطت بعد ستة أشهر فقط”.
رسم غوتيريش الصورة القاتمة للوضع الحالي في اليمن، حيث يحتاج أكثر من 21 مليون شخص اليوم -اثنان من كل ثلاثة أطفال ونساء ورجال يمنيين- للمساعدة والحماية، وقال: هناك صراع يومي من أجل البقاء، لكن الآباء غير قادرين على إطعام أطفالهم، وتخشى النساء والفتيات الذهاب إلى المدرسة سيراً على الأقدام أو حتى المغامرة بالخروج، كما فقدت العائلات ما تبقى من أمل في العودة إلى ديارهم. وبالإضافة إلى الدعم المستمر، يحتاج شركاؤنا في المجال الإنساني لوصول مستدام إلى الأشخاص المحتاجين. كما أشار إلى أن العوائق والتدخل والقيود المفروضة على الحركة تجعل من الصعوبة بمكان الوصول إلى السكان المتضررين أكثر صعوبة.
لكن الأسوأ من كلّ ذلك، وفقاً لـ غوتيريش، هو أن عمال الإغاثة أنفسهم يتعرّضون بشكل متزايد للهجوم، ولذلك دعا جميع أطراف النزاع إلى تسهيل حركة المرور الآمن والسريع ودون عوائق للإغاثة الإنسانية لجميع المدنيين المحتاجين، بما يتماشى مع الالتزامات بموجب القانون الإنساني الدولي، وقال إن العاملين في المجال الإنساني -بمن فيهم العاملات في مجال الإغاثة اليمنية- يجب أن يكونوا قادرين على أداء عملهم بأمان واستقلالية وسرعة ودون عوائق أو قيود تعسفية.
كما دعا غوتيرش إلى التضامن مع الشعب اليمني، حيث تحدث عن زياراته المتكررة إلى اليمن عندما كان المفوض السامي لشؤون اللاجئين، وكان اليمنيون في ذلك الوقت يستقبلون اللاجئين الصوماليين الذين أتوا إلى الساحل بأعداد كبيرة، رغم كلّ المشكلات، والصعوبات، وكانوا يمنحونهم جميعاً وضع اللاجئ الأولي، وهو وضع ليس بمقدور العديد من البلدان المتقدمة في العالم منحه.