المساعدات الإنسانية رهينة بأيدي الإرهابيين
سمر سامي السمارة
بعد تعرّض عدة مدن سورية، ومنها مدينة إدلب، للدمار جراء الزلزال الذي ضرب سورية وتركيا بقوة 7.8 درجة، في 6 شباط الماضي، دخلت شاحنات المساعدات إلى معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا، محمّلة بالإمدادات للناجين من الزلزال الذي أُطلق عليه كارثة القرن، لكن ما يُسمّى “هيئة تحرير الشام” الإرهابية رفضت دخول الشاحنات دون تقديم رسم قدره 1000 دولار عن كل شاحنة.
وذكرت الأمم المتحدة أن فريقها موجود في إدلب لتقييم احتياجات المتضررين، مؤكدةً أنها تعرف جيداً من يعملون لمصلحة وكالات الإغاثة، ويبلغون عن عمليات الغش وسوء توزيع المساعدات الإنسانية التي يمارسها “الجولاني” و”هيئة تحرير الشام”.
وفي حزيران 2022، أفاد موقع “المونيتور” أن “هيئة تحرير الشام” الإرهابية، وما يُسمّى “حكومة الإنقاذ” التابعة لـ”هيئة تحرير الشام” في إدلب، تسيطران بشكل كامل على المساعدات الإنسانية المقدّمة للنازحين في إدلب، وأجزاء من ريف حلب الشمالي.
لقد أعاقت “هيئة تحرير الشام” أعمال وكالات الإغاثة الدولية، مطالبة إياها بتوزيع المساعدات تبعاً لتقديراتها، كما اقتحمت مجموعاتها الإرهابية مكاتب الإغاثة والمخازن، واعتقلت الموظفين لترهيب وكالات الإغاثة، وجعلها تابعة لإمرتها. ولطالما تظلم الكثير من سرقة “هيئة تحرير الشام” للمساعدات، ومنع توزيعها، فضلاً عن ابتزاز الأموال من الوكالات لمواصلة عملها الإرهابي في إدلب والمناطق التي تسيطر عليها، فالابتزاز هو العملة الصعبة التي تستند إليها “هيئة تحرير الشام”، ومصدر دخلها الرئيسي. ومثل هذه الشهادات المباشرة كان مصدرها شرطي سابق في “هيئة تحرير الشام” احتجزته المجموعة الإرهابية بتهمة “تدخين السجائر”، ومنذ ذلك الحين غادر إدلب.
أفاد الشرطي بأن “هيئة تحرير الشام” تلجأ لعدة أساليب لإخضاع عمل المنظمات غير الحكومية، والحصول على حصة من المشاريع التي تنفذها المنظمات غير الحكومية لمساعدة النازحين. أولاً، تجبر المنظمات على دفع مبلغ من المال بالعملة الصعبة شهرياً مقابل متابعة أعمالها الإغاثية في المناطق التي تسيطر عليها الهيئة. كما أنها تخصم مبلغاً يُقدّر بـ10٪ من مساعدات الإغاثة التي تقدمها هذه المنظمات، مضيفاً أن “هيئة تحرير الشام” توزع المساعدات أولاً على مسلحيها وعائلاتهم وموظفي “هيئة تحرير الشام”.
كما تضطر المنظمات غير الحكومية عند تقديم مشاريع تعليمية أو صحية، لضمّ بعض المدنيين أو الأشخاص الموالين أيديولوجياً لـ”هيئة تحرير الشام” بهدف تحسين صورة المجموعة أمام المجتمع. وأشار الشرطي إلى أن الهيئة كانت تدفع له 100 دولار شهرياً، وتقدم له ولأسرته الطعام والإمدادات التموينية.
على مرّ السنين، أوقفت عدة منظمات إغاثية عملها في إدلب، بسبب ابتزاز وفرض السيطرة الذي تمارسه “هيئة تحرير الشام”، ومنها “مؤسسة كرم”، بسبب تدخل “هيئة تحرير الشام” وتزويرها.
كما أفاد موظف سابق في “جمعية سبل السلام” للأعمال التنموية والإنسانية، مشترطاً عدم الكشف عن هويته خوفاً من الانتقام، بأن “هيئة تحرير الشام”، طلبت منهم دفع 20 ألف دولار لمواصلة الأعمال الإغاثية في إدلب، فضلاً عن فرض أسماء المنتسبين ليكونوا جزءاً من مشاريع المنظمة التعليمية والصحية، وذلك من خلال إرسال سيرهم الذاتية.
وقال: “في منتصف عام 2019، قرّرت جمعيتنا التوقف عن الالتزام بهذه الشروط، ما دفع “هيئة تحرير الشام” لاقتحام مستودعاتنا في ناحية أحسم بمنطقة أريحا وجبل الزاوية في إدلب، والاستيلاء على كل محتوياتها واعتقال عدد من الموظفين، ما دفع الجمعية لوقف أنشطتها تماماً”.
في حزيران 2022، اعتقلت “هيئة تحرير الشام” عدداً من العاملين في منظمة “القلب الكبير للإغاثة والتنمية” في إدلب، بتهمة “الفساد”، وأجبرتهم على دفع 60 ألف دولار كتعويض قبل إطلاق سراح الموظفين المحتجزين.
تظهر “هيئة تحرير الشام” العداء لأي مشاريع تستهدف دعم الإناث، حيث تشترط على أي منظمة غير حكومية أو مجموعة مساعدة، بما في ذلك الأمم المتحدة، موافاتها بأي مقترح للمشاريع التي يُسمح بها للنساء.
وبحسب موظف سابق، فإن “هيئة تحرير الشام” أوقفت العديد من المشاريع التي تهدف إلى دعم النساء، ولاسيما سكان المخيم. وأشار إلى أنها حظرت في الآونة الأخيرة جميع المشاريع المتعلقة بدعم وتمكين وتثقيف المرأة، كما لاحقت العديد من الناشطات النسويات في منطقة سيطرتها، وأغلقت المراكز التي تقدّم سبل التدريب والدعم النفسي والإرشاد للمرأة، ولاسيما في مدينة الأتارب بريف حلب الغربي.
ومع ذلك، فإن وزارة الخارجية الأمريكية والأمم المتحدة متواطئتان في إبقاء “هيئة تحرير الشام” في السلطة، وإبقاء 3 ملايين مدني محتجزين كرهائن لدى مجموعة إرهابية متطرفة ومسلحة.
في تشرين الثاني 2017، شكّلت المجموعة الإرهابية برئاسة الجولاني ما يُسمّى بمكتب إدارة شؤون المنظمات، للسيطرة على المساعدات الإنسانية، والمشاريع التي تمولها المنظمات الأجنبية في شمال سورية، بالإضافة إلى فرض الأتاوات على جميع المشاريع الإغاثية، والمواد التي أدخلتها المنظمات غير الحكومية في المنطقة.
في 1 شباط 2023، افتتح الجولاني مول “الحمرا” للتسوق في إدلب، والذي يعادل أي مركز تجاري في مدينة متوسطة الحجم في الولايات المتحدة، وقد تمّ تمويله من الأموال التي ابتزتها “هيئة تحرير الشام” من وكالات الإغاثة. وللإشارة، تعمل مولدات البنزين الكبيرة ليلاً ونهاراً على الوقود الذي تمدّها به تركيا من النفط السوري الذي تشتريه من الجيش الأمريكي الذي يحتلّ آبار النفط السورية الرئيسية في الشمال الشرقي من البلاد. ويعرض هذا المركز التجاري جميع أنواع البضائع، ومن بينها المساعدات الإنسانية التي يكدسها الجولاني ويبيعها للمدنيين غير المدرجين في قائمة الموالين لجماعته الإرهابية.
وخلال فترة الحرب الجائرة على سورية، كانت الأمم المتحدة وأمينها العام، أنطونيو غوتيريش، جزءاً من عملية الاحتيال المتعلقة بالمساعدات، فقد دأبت الأمم المتحدة منذ عقد من الزمان على إيصال شاحنات المساعدات الإنسانية لإرهابيي “هيئة تحرير الشام”، وجعل المجموعة المسؤولة الوحيدة عن دخول المساعدات والجهات التي يتمّ السماح لها بالاستفادة منها.
وفي وقت كانت وسائل الإعلام تعرض مقاطع فيديو للدمار التام والمعاناة في أعقاب الزلزال الأخير، كان الجولاني يتحكم بالمساعدات التي تصل إلى إدلب، وبحياة 3 ملايين إنسان وتصنيفهم بين مستحق ومحروم.
خطّط وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكن، لتعيين الجولاني كزعيم للدولة المقترحة. وفي أيلول 2022 سافرت باربارا ليف، مساعدة وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، إلى الشرق الأوسط، حيث تعترف مع إدارتها بالجولاني، ويروّجون لهم كشرعيين، على الرغم من أن المنطقة التي يسيطرون عليها لا تتجاوز الـ1٪ من الأراضي السورية.
جدير بالذكر أن ميثاق الأمم المتحدة ينصّ على وجوب التزام الدول الأعضاء بمحاربة تنظيم “القاعدة” في كل مكان على وجه الأرض، ومع ذلك تخضع إدلب لسيطرة الجولاني الذي بدأ مسيرته الإرهابية في العراق بإشراف تنظيم “القاعدة”، ثم تحالف مع “أبو بكر البغدادي زعيم داعش” الذي وجّه الجولاني للذهاب إلى سورية وإنشاء فرع تابع “للقاعدة”.
أعلنت الولايات المتحدة أنها ستقدم مكافأة قدرها 10 ملايين دولار لكل من يدلي بمعلومات تؤدي إلى القبض على الجولاني، ومع ذلك فهو الرجل الذي تنسق معه الولايات المتحدة لمنع أسره أو استهدافه من قبل الجيش العربي السوري!.