قرارات الحكومة “الجريئة” و”الصائبة”.. هل ستنعش الإنتاج وتزيد القدرة الشرائية للمواطنين؟
دون أي مقدّمات أو تمهيد، صدرت مجموعة من القرارات، وسيتبعها قرارات أخرى، أكدت الحكومة أنها حقّقت مطالب المنتجين والصناعيين، وفتحت المجال لاستقطاب دولارات الحوالات، ولكن لم يصدر أي قرار حتى الآن من شأنه زيادة القدرة الشرائية لملايين العاملين بأجر، ونأمل ألا يطول انتظار الأسر التي لم يعد دخلها يقوى على تأمين مستلزمات معيشتها اليومية.
وسواء كانت القرارات الحكومية الجديدة “صائبة” أو “جريئة”، فالمهمّ النتائج التي ستسفر عنها على صعيدي زيادة الإنتاج والتصدير، وتخفيض أسعار السلع والمواد في الأسواق. وكما قلنا سابقاً: ليس المهمّ توفر المواد بكميات تزيد عن الطلب، بل زيادة أعداد السوريين القادرين على شرائها!.
وبما أن القرارات الحكومية الاقتصادية الجديدة لاقت ارتياحاً من المنتجين والصناعيين، وعلى الرغم من قولهم إنها أتت متأخرة، فإن السؤال: لماذا أصدرت الحكومة هذه الحزمة من القرارات الآن وليس في الأمس البعيد أو القريب؟. ولعلّ السؤال الأكثر أهمية: هل من تأثير للقرارات الجديدة بتسريع دوران عجلات الصناعة والزراعة والمشاريع الاستثمارية… إلخ، بعد الرفع الكبير جداً لمستلزمات الإنتاج المرة تلو المرة خلال العامين الماضيين، والتشدّد في بيعها للمنتجين بالأسعار الرائجة وليس المدعومة؟ وبما أن العاملين بأجر وهم بالملايين لا يقوون على شراء احتياجات موائدهم الأساسية، هل ستفاجئنا الحكومة بقرارات أيضاً “صائبة” أو “جريئة”، تزيد دخلهم بما يناسب أسعار السلع والمواد الأساسية؟.
بتوجيه أم بمبادرة..؟
نعم، لقد فوجئنا بالقرارات الجديدة، لسبب واحد على الأقل، وهو أن اللجنة الاقتصادية تجاهلتها على مدى ثلاثة أعوام على الأقل، ورفضت حتى مناقشتها مع الجهات الصناعية والفلاحية، بل إن القرارات التي كانت ترفعها إلى مجلس الوزراء ليصدرها رسمياً أدّت جميعها إلى خفض الإنتاج والاستهلاك، وإضعاف القدرة الشرائية لملايين السوريين.. الخ.
ترى ما الذي جعل اللجنة الاقتصادية تغيّر رأيها، فتوافق على حزمة من القرارات التي لطالما اعتبرتها خاطئة وستؤثر سلباً على الاقتصاد؟.
لو لم يكشف لنا وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية ورئيس اللجنة الاقتصادية الدكتور سامر خليل خلال لقاء إعلامي السبب الفعلي لظننا أن اللجنة اقتنعت أخيراً بصوابية المعالجات التي طرحتها مراراً وتكراراً غرف التجارة والصناعة والزراعة والتنظيمات النقابية والمهنية، فأصدرتها بقرارات “صائبة” و”جريئة”، وستستكملها بقرارات أخرى أيضاً “صائبة” و”جريئة”، قادمة سريعاً!.
لقد كشف خليل عن “اجتماع عقده السيد الرئيس بشار الأسد منذ فترة قريبة مع اللجنة الاقتصادية، دار فيه نقاش مهمّ وموسّع تمّ التأكيد فيه على تعزيز أولوية قطاعات الإنتاج، ومنحها كل ما يلزم للتحفيز والإقلاع”.
عماد حركة الاقتصاد
لقد اعتبر وزير الاقتصاد أن “تسارع عجلة الإنتاج هو عماد حركة الاقتصاد لكونه حاملاً لليرة السورية ومؤمناً للإنتاج المحلي، ويعزّز فرص النمو ومصادر الدخل لمئات الآلاف من الأسر”، ولكن هذا الكلام الجميل لم تترجمه الحكومة بأي قرارات تنفيذية على مدى عامين متتاليين على الأقل، فكلّ قراراتها أدّت إلى بطء عجلة الإنتاج وعرقلة النمو وتراجع الدخل.. أليس هذا هو الواقع الفعلي؟.
والمسألة ليست بترداد شعارات من قبيل أن “دوران عجلة قطاع الإنتاج عموماً والصناعة خصوصاً بسرعة أكبر تعني فرص عمل أكثر ومصادر دخل أكبر ومنتجات أكثر وتكلفة أقل، وبالتالي أسعاراً أقل”، فهذا جانب واحد من المعادلة، في حين الجانب الآخر هو المستهلك، فمهما زاد الإنتاج فلن يباع بأقل من سعر التكلفة التي سبق ورفعت الحكومة أسعار مستلزماتها وصولاً لبيعها للمنتجين بالأسعار الرائجة من جهة، ودفع المنتجين من جهة أخرى لشرائها من السوق السوداء لعدم توفرها حتى بالأسعار الرائجة!! ولكي يزداد الإنتاج فهو يحتاج إلى طلب داخلي لن يتوفر طالما ملايين العاملين بأجر بالكاد يكفيهم دخلهم لوسائط النقل والفلافل، باستثناء من يتلقى حوالات مصرفية، أو انخرط بالفساد الصغير والكبير، أو يزاول عدة أعمال بأجور هزيلة.
نعم.. “الإنتاج هو أساس النمو الاقتصادي”، ولكن أغلب القرارات التي أصدرتها الحكومة في الأعوام الماضية قلّما خدمت قطاع الإنتاج، أو الليرة السورية، فمن يسعى لتعزيز وزيادة الإنتاج لا يرفع مستلزمات الزراعة والصناعة، وتحديداً برفع أسعار حوامل الطاقة والأسمدة والأعلاف، كما أن زيادة دخل العاملين بأجر لا يكون بقرارات تخفيض سعر الصرف دون أن يواكبه تعديل موازٍ للرواتب والأجور!!
شراء القطع بالسعر المتداول
ولعلّ أهم القرارات الجديدة الخاصة بالقطع وسحب ونقل الأموال هو السماح للمصارف بشراء القطع الأجنبي من الأفراد بالسعر المتداول، وإصدار نشرة يومية للحوالات الخارجية بأسعار السوق الموازية “السوداء” وبرفع سقف السحب اليومي من المصارف حتى 15 مليون ليرة، وتعديل المبلغ المسموح بنقله بين المحافظات ليصبح أيضاً 15 مليون ليرة، باستثناء محافظات دمشق وريف دمشق والقنيطرة.
ورأى خبراء اقتصاد أن مصرف سورية المركزي بدأ تصحيحا تدريجيا للأخطاء السابقة التي شلت النشاط الاقتصادي الإنتاجي.
وإذا كان “هدف الإجراءات الحكومية الجديدة الحدّ من ارتفاع سعر الصرف وارتفاع الأسعار”.. فلماذا لم تتخذ في الوقت المناسب أي خلال العام الماضي مثلاً.
ومع ذلك نسأل: هل صرف قيمة الحوالات بمبلغ 7100 ليرة للدولار، وهو رقم متغيّر وفق نشرات يومية تصدر عن البنك المركزي وتخضع لمعطيات السوق والمتغيرات العامة، سيخفّض القوة الشرائية لليرة، ما سيؤثر سلباً على انخفاض قيمة دخل ملايين العاملين بأجر، أم سيقويها ويحدّ من انخفاضها مستقبلاً؟
وبرأي رئيس اتحاد غرف الصناعة غزوان المصري فإن القرار لن يؤثر على خفض تكاليف الإنتاج، ولن يسهم بانخفاض أسعار السلع أو ارتفاعها، لأن الصناعي لا يحصل أصلاً على القطع الأجنبي من المصرف المركزي، وإنما من شركات الصرافة الخاصة، مضيفاً أن القرار له أثر إيجابي على حوالات المغتربين التي ستتدفق عبر القنوات الرسمية بدلاً من أن تذهب إلى جيوب المضاربين وتجار السوق السوداء.
وعلى عكس المصري، أبدى سامر صوفي مدير غرفة تجارة وصناعة اللاذقية خشيته من أن يسهم القرار برفع سعر الصرف في السوق السوداء كردّ على إجراءات المركزي، ما يعني، في حال عدم التشدّد بضبط الأسعار، أن الأسعار سترتفع لأن الصناعي يحصل على القطع بسعر السوق الموازي.
الخلاصة: أثبتت الوقائع أن ما صدر من قرارات في العامين السابقين كان خطأ بخطأ، والدليل تراجع مخيف في إنتاج السلع الأساسية، وتراجع باستهلاكها لضعف القدرة الشرائية لملايين الأسر السورية، وما كان يفترض أنها قرارات، صدرت استناداً إلى معطيات اقتصادية، كشفت نتائجها أنها كانت مجرد تجريب أنهك البلاد والعباد، ونأمل أن يؤدي تصحيح مسار الاقتصاد إلى دوران عجلات الإنتاج، لكن من الضروري أن يواكب دوران عجلات النمو زيادة في مصادر دخل ملايين الأسر السورية لتعزيز ورفع قدرتها الشرائية، وهذه هي المهمّة الأصعب للحكومة الحالية أو أي حكومة جديدة قادمة عاجلاً أم آجلاً!!
علي عبود