توزيع المساعدات بلا بوصلة!
مروان حويجة
ما تشهده عملية التوزيع من عشوائية وعدم تنظيم ومشاهد ازدحام وتدافع يظهر جليّاً أنّ كلّ ما جرى الحديث عنه وما تمّ اتخاذه من قرارات وإجراءات لا يزال قاصراً، لأنّه لم يفضِ إلى آلية فاعلة لضبط وتنظيم توزيع المعونات على المتضرّرين في منطقة موصوفة بالمنكوبة وفق ما تمّ إعلانها منذ أسابيع، وهذا يفترض أن يجعل جميع قاطنيها متضرّرين ومستحقين للمساعدات والإعانات، تماشياً مع خطة الاستجابة لتداعيات الزلزال، إلّا أنّ الوصول المفترض لغاية تاريخه إلى الأكثر تضرراً لم يتحقّق حتى يطال عامة المتضررين الذين تعطّلت أعمالهم وتضرّرت سبل عيشهم وأرزاقهم، ولعلّ هذا التأخر غير المبرّر دفع إلى واجهة المشهد المأساوي أسئلة وإشارات استفهام حول الالتباس الحاصل في سلامة وعدالة وانسيابية توزيع المعونات وإيصالها إلى المستحقين لها والمحتاجين إليها، إلى درجة التشكيك بالأداء، والإشارة إلى تجاوزات في ظلّ عدم وجود قوائم وبيانات اسمية وأسرية وإحصائيات دقيقة عن المستحقين والحاصلين، وأيضاً بيانات عن مستحقين غير مستفيدين وهم ينتظرون الحصول على هذه المساعدات بفارغ الصبر، ولكن لم يتمكنوا من استلامها لأنّ قاعدة البيانات غير موجودة، ولأنّ الآلية المطلوبة للوصول إلى عناوينهم لا تزال مفقودة، أمّا اللجان والهيئات الاختيارية والمحلية والوحدات الإدارية فلا حول لها ولا قوة في الوصول السريع والشامل المنشود الذي يكثر الحديث عنه دون تشبيك أو تنسيق على أرض الواقع، ما يجعل الوصول إلى المستحقين ضرباً من المحال، بدليل أنّ عدداً لا بأس به من المتضرّرين لا يزال خارج الاستهداف المصرّح عنه رسميّاً – بلغة النوايا الجادة – من على المنابر، وفي أروقة الاجتماعات، في حين يأتي التدافع والتهافت على سيارات المعونات كاشفاً العشوائية الواضحة في طريقة توزيع وإيصال المعونات، فيما يفترض أن تذهب هذه المعونات إلى المتضرّرين بإحداثيات وعناوين واضحة ومحددة ومتاحة لدى الجهات المعنية بعد مرور عدة أسابيع على وقوع الكارثة.
وأمام هذا الواقع لم يكن مستغرباً دعوة البعض إلى إشراك جهات رقابية لمتابعة موضوع توزيع المساعدات بالنظر لحساسيّة هذا الموضوع، وضرورة اضطلاع لجنة الإغاثة بدورها الأوسع في التدقيق وضبط حالات الخلل وتكليف عدة جهات رقابية للتواجد، ومتابعة كلّ التفاصيل والجزئيات وفرض رقابة مشدّدة على عملية التوزيع وفق ضوابط محدّدة وقاعدة بيانات واضحة، وهذا ما يضمن إيصالها بشكل منتظم وسلس ودقيق، وأيضاً يلغي كلّ مظاهر الفوضى والعشوائية، ويغلق الباب كلياً في وجه حالات الخلل، وأيّ شكل من أشكال التجاوزات، ويمكّن المستحقين من استلام المعونة بأريحية وبظروف نفسية ومعنوية تراعي حالته المنكوبة، وعندها ستنتفي وتغيب مشاهد التوزيع العشوائي التي تثير حفيظة الكثيرين واستهجانهم، وحيث لم يعد هذا المشهد مبرراً بعد أن تجاوزنا الأيام الأولى للصدمة في مرحلة الاستجابة الطارئة لتداعيات الزلزال، ولاسيما أنّ إعادة الأسر المنكوبة لن تأتي بين ليلة وضحاها، ولا يزال هناك وقت غير قصير هي أحوج ما تكون فيه إلى مساعدات تسعفها في هذا الظرف الاستثنائي المأساوي للجميع، وهنا تكمن الحاجة القصوى لتنظيم آلية التوزيع وغيرها من آليات الإغاثة وفق منهجية عمل محدّدة وواضحة ومعلنة.