في بعض دلالات “التسلّل” الأمريكي
أحمد حسن
يشي انتقال رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة، الجنرال مارك ميلي، متسلّلاً من “إسرائيل” إلى “قاعدة التنف” – وبتعبير أكثر دقة “مستعمرة التنف” – بالكثير، فهو، أي هذا التسلّل، يقول: أولاً، إن الحرب على سورية مستمرة بقرار أمريكي كامل، ويُفصح، ثانياً، عن الوظيفة المتشابهة لموضعي الزيارة في الأجندة الأمريكية الكبرى، ويكاد بالتالي يؤكد، ثالثاً، أن موسم “التسلّل” الأمريكي إلى مناطق مختلفة من العالم أضحى سياسة “مكره أخاك لا بطل”، فعلى الرغم من الفروق الموضوعية بين حالات مختلفة لهذا “التسلّل” إلا أن امتداده من أفغانستان والعراق إلى أوكرانيا، ثم سورية، لم يكن سابقاً، وهو ليس الآن، دليل “عافية” في مكان ومكانة “روما العصور الجديدة”.
والأمر أن توقيت هذا “التسلّل” الجديد، ولشخصية بمستوى رئيس هيئة الأركان العامة، لا يبدو فقط كـ “قول” موجّه لدمشق وحدها بقدر ما هو “فعل” يحاول تحقيق أمرين: الأول، إعادة عقارب الساعة إلى الخلف، ضبطاً لحركة البعض ممن أتاح لهم الزلزال الأخير حرية إحداث هزة ارتدادية سياسية في المنطقة كان مطار دمشق الدولي أحد مظاهرها الواضحة، أما الأمر الثاني فيتعلّق بدور “مستعمرة التنف” الرئيس في الأجندة الأمريكية – الإسرائيلية ضد محور المقاومة بأسره. وأمام ذلك كلّه، تبدو “سردية” الرجل – أي الجنرال ميلي – عن سبب الزيارة الأول، وهو “تقييم الحرب على داعش”، سردية بائسة مخصّصة فقط للإعلام الجاهز لتلقّف كل ما يقوله “السيد الأبيض”، لأن “ميلي” يعرف قبل غيره، وبحكم موقعه على الأقل، أن “داعش” من بعض “رعايا” الإمبراطورية، وربما كان من أخلصهم وأوفاهم لها، وذلك ما تؤكّده جرائمه في بادية دير الزور والرقة خلال الآونة الأخيرة، وبالتالي لا خطر منه على أمن الولايات المتحدة وأمن حلفائها يستحق هذه “المهمّة” الخطرة كما قال.
لكن الإنصاف يقتضي منا القول إن الرجل كان صادقاً في السبب الثاني للزيارة، وهو “مراجعة إجراءات حماية القوات الأميركية من أي هجوم”، لأنه – وبحكم موقعه مرة أخرى – يعي أكثر من غيره ارتفاع منسوب المخاطر على قواته المحتلة نظراً لاشتداد حدة المقاومة الشعبية، كمّاً ونوعاً، ضد وجودها الاحتلالي وسرقاتها المستمرة لثروات الشعب السوري.
بالمحصلة، هذه “زيارة” غير شرعية إلى قاعدة عسكرية أمريكية غير شرعية أيضاً، وإذا كان من الواجب على “الدول التي تنشد الأمن والاستقرار في منطقتنا والعالم” إدانة هذه الانتهاكات الأمريكية ووقفها – وهذا ما نعلم أنه لن يحدث لأسباب يعرفها الجميع – إلا أن على الجميع أيضاً، وأوّلهم أهل المنطقة، التمعّن واستخلاص الدروس من اضطرار دولة بحجم الولايات المتحدة لإجرائها “تسلّلاً”، فهذا مؤشر مهم جداً على واقع قائم ومستقبل قادم، ليُبنى على الأول ما يساهم في تقريب الثاني، وتلك هي إحدى الفوائد الكبرى التي لم يقصدها “ميلي” أبداً في “تسلّله” هذا.