زيارة تحت جنح الظلام
علي اليوسف
في كل زيارة يقوم بها المسؤولون الأمريكيون لإحدى قواعدهم غير الشرعية في سورية، تتثبت الكذبة الكبيرة التي يتذرعون بها، والتي باتت محل سخرية في أكثر من مكان. الحجة التي ساقها رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة هي أن الزيارة لتقييم الجهود المبذولة لمنع عودة ظهور “داعش”، وأن إبقاء نشر القوات المتواجدة أصلاً منذ ما يقرب من ثمانية أعوام لا يزال يستحق المخاطرة.
إذ ما معنى أن يأتي رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة الجنرال مارك ميلي في زيارة تحت جنح الظلام؟ المعنى هو أنه منذ العام 2018 أصبح “داعش” مجرد أثر لتنظيم بائد فشل صانعه الأمريكي في تحقيق الأهداف المرسومة له، وذلك بفضل الجيش العربي السوري وحلفائه الذين قضوا على هذا التنظيم الإرهابي، وأخرجوه من دائرة التهديد والتخويف الذي كانت تروج له وسائل الاعلام الأمريكية، ومن بقي منهم ليسوا محتجزين في مخيمات أو مراكز احتجاز تحرسها ميليشيات “قسد” الانفصالية، بل هم أقرب ما يكونون في إقامة مؤقتة حتى إشعار آخر، أو بالمعنى الأدق حتى تشغيلهم وتدويرهم في مكان يتم تحديده مسبقاً من قبل الولايات المتحدة.
بهذا المعنى، فإن الزيارة ليست لتقييم الجهود، بل على الأغلب لإجراء التفقد والإطمئنان على ما تقوم به القوات الأمريكية وحلفاؤها على الأرض من تدريب وتجهيز لما هو قادم، خاصةً أن هناك مسؤولين أمريكيين من الدولة العميقة لا يزالون يصرحون في كل مناسبة أن تنظيم “داعش” لا يزال بوسعه النهوض مجدداً ليشكل تهديداً كبيراً.
قبل هذه الزيارة، ركزت قناة “العربية” في تقرير خاص لها على تنظيم “داعش” وعائلاته، وكأن هناك مقصدا من وراء هذه الرسالة، لتعود الصحافة الأمريكية المستقلة بطرح السؤال القديم نفسه من جديد: “ماذا نفعل في سورية؟”، حتى أن السياسي الأمريكي، كريس مورفي، الذي يرأس اللجنة الفرعية للعلاقات الخارجية الأمريكية، نشر بياناً يشكك في الحكمة من انتشار هذا العدد من الأمريكيين في تلك المنطقة، وشاطره الرأي الكثيرون بالقول: “كلما تعرضت القوات الأمريكية هناك لهجوم، يبرز السؤال من جديد: لماذا هي هناك؟”.
ذلك يعني أنه، في المقلب الأخر، هناك طروحات أمريكية – ليس آخرها عندما تقدم النائب الجمهوري مات غيتز بمشروع قرار يُلزم الرئيس الأمريكي جو بايدن بسحب القوات الأمريكية من سورية – عن أسباب وجدوى وجود القوات الأمريكية في سورية، حتى أن البعض منهم يقول إن السياسة الأمريكية في سورية شديدة الغموض، وهو ما يدلل بالضرورة عن النوايا الخبيثة التي تضمرها الولايات المتحدة، وزيارة رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة الجنرال مارك ميلي الى القاعدة غير الشرعية في شمال سورية.
اليوم، لا يزال هناك حوالي 900 جندي أمريكي منتشرين في منطقة شرق سورية. وتلك القوات، إلى جانب حوالي 2500 عسكري متمركزين في العراق، هي ظاهرياً جزء مما يسمى “التحالف الدولي لهزيمة “داعش”. ولكن بالنظر إلى هزيمة “داعش”، فإن بعض الأمريكيين يشككون في سياسة بلادهم في سورية بالقول: “لا توجد سياسة قائمة بذاتها ومتسقة تجاه سورية من قبل الإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ العام 2011.. الولايات المتحدة لا تعرف ما تريده في سورية”.