صحيفة البعثمحليات

من يوميات الزلزال

معن الغادري

ندركُ تماماً أن ظروف ما اصطلح على تسميته بـ”يوميات الزلزال وهزاته الارتدادية المتتالية، الخفيفة والقوية أحياناً”، أفرزت واقعاً صعباً وربما معقداً، إذ ما زال وقع الزلزال وتأثيره المادي والنفسي حاضراً في دفتر يومياتنا المثقل بالهموم والأزمات الاقتصادية والمعيشية على وجه التحديد، ما يرتّب على الحكومة ووزاراتها المعنية ومؤسّساتها الخدمية والإنشائية التابعة لها في المحافظات المنكوبة الانتقال إلى مرحلة متقدمة من العمل الإغاثي والخدمي على السواء، والاستفادة ما أمكن من تعليق عقوبات قانون قيصر الجائر خلال هذه الفترة، وحشد المزيد من تعاطف الشعوب المحبة لسورية في مختلف الدول لإسقاط ما يُسمّى “قانون قيصر” ورفع العقوبات بشكل نهائي، وذلك بالتزامن مع تحديد أولويات العمل وفق خطط فاعلة وقابلة للتنفيذ، لجهة تأمين احتياجات ومستلزمات وأدوات عمل المنظومة المؤسّساتية للمرحلة الراهنة والمستقبلية، وإذابة كلّ قوالب الجليد والحديد المصطنعة، والتي لطالما كانت السبب المباشر وراء تراجع منسوب العمل والإنتاج، ونتيجة طبيعية ومنطقية للتعاطي النمطي والكلاسيكي في مقاربة مجمل القضايا والملفات المهمّة والحساسة، ما قبل وبعد زلزال 6 شباط.

وهنا تبرز أهمية إجراء تقييم دقيق علمي ومهني واحترافي لتداعيات ونتائج الزلزال الكارثية، وما أحدثه من فجوة بدت أكثر وضوحاً وظهوراً بين آليات العمل الخططي والتنفيذي، ومردّ ذلك ارتجالية القرار وفوضوية وعشوائية التنفيذ، والتي أظهرتها الكثير من صور العمل الإغاثي في بعض مراكز الإيواء والتي بدت مخجلة في الكثير من مراحلها!.

ما نودّ التأكيد عليه، في هذه العجالة، أن حلب المنكوبة سابقاً جراء الإرهاب، وراهناً بعد الزلزال، لم تنجح بالخروج من عنق الزجاجة، فخلال السنوات السبع التي أعقبت تطهيرها من الإرهاب، كسر ظهرها الفساد الإداري والمالي وضرب الكثير من مفاصلها الحيوية والعامة، ما أبقاها تراوح في المكان وربما إلى الوراء، وبالتالي صعّب من مهمتها في تجاوز محنة الزلزال بخسارات أقل.

وهنا، لا نريد أن نقلّل من الجهود الإغاثية الجبارة على المستويين الرسمي والشعبي لاحتواء واستيعاب صدمة الزلزال وآثاره الكارثية، ولكن ما نحاول التأكيد عليه هو أن العمل الإغاثي لا يمكن حصره واختصاره بتوزيع سلل إغاثية وتأمين احتياجات المنكوبين اليومية في مراكز الإيواء، من طعام ولحف وفرش وحسب، فحجم الكارثة كبير وكبير جداً، ويتطلب استراتيجية عمل واضحة وشفافة تعيد رسم خارطة المدينة من جديد إنشائياً وخدمياً واقتصادياً، وأن يكون القرار على مستوى المسؤولية الوطنية، أولويته تعويض آلاف الأسر التي خسرت منازلها وأعمالها بمنازل جديدة، بالتزامن مع البحث جدياً عن مخارج حقيقية للأزمات المعيشية المتلاحقة ورفع مستوى الدخل لمواجهة الأعباء المعيشية المتفاقمة والضاغطة، خاصة وأننا بعد أيام قليلة سنستقبل شهر رمضان الفضيل، وقبل ذلك لا بدّ من تطهير المنظومة المؤسساتية من كلّ أشكال الفساد، حينها يمكننا القول والتأكيد أن البوصلة بدأت تأخذ مسارها الصحيح لإصلاح ما أفسده الإرهاب والزلزال والفاسدون.