مبادرة الصين في مواجهة عقلية الحرب الباردة
عناية ناصر
أثار موقف الصين من التسوية السياسية للأزمة الأوكرانية ردود فعل فورية من الولايات المتحدة وحلفائها، حيث زعم الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ أن الصين ليس لديها “الكثير من المصداقية” في الحرب الروسية الأوكرانية، بينما قال مستشار الأمن القومي الأمريكي، جيك سوليفان، إن مقترح الصين يجب أن يشمل فقط الدعوة إلى “احترام سيادة جميع الدول”. وفي السياق ذاته قالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين إن الاتحاد الأوروبي سينظر في مقترحات الصين “على خلفية انحياز الصين للجانبين”، وفق زعمه.
من الواضح أن الولايات المتحدة وحلفاءها قلقون من موقف الصين إزاء هذه القضية، لكن من غير المعقول إساءة تفسير المقترحات الصينية بشكل خبيث من خلال توجيه الانتقادات والاتهامات التي لا أساس لها من الصحة، فقد اعتمد موقف الصين على مدى تعقيد وإلحاح الأزمة الأوكرانية وتداعياتها في جميع أنحاء العالم، وطرحت اقتراحات بنّاءة وفقاً لذلك، مما يعكس مسؤولية الصين كقوة عظمى. ولذلك، لا يحق للولايات المتحدة وحلفائها في الناتو توجيه أصابع الاتهام من خلال الادعاءات والتشويهات ذات الصلة.
إن الأزمة الأوكرانية هي نتاج عقلية الحرب الباردة العميقة الجذور في بعض البلدان، حيث تسعى الصين للحصول على التوصل إلى حلّ نهائي. لقد جعل موقع أوكرانيا الجغرافي ووضعها الجغرافي السياسي منها مكاناً ذا أهمية استراتيجية للقوى المجاورة، ومن خلال تسليح عقلية الحرب الباردة هذه، تعمل الولايات المتحدة على دفع توسع الناتو إلى الشرق سعياً وراء هيمنتها. ومن ثم، فإن التعامل بجدية مع المصالح والمخاوف الأمنية المشروعة لجميع البلدان ومعالجتها بشكل صحيح، واتباع رؤية أمن مشترك وشامل وتعاوني ومستدام، هو المفتاح لحلّ النزاع في أوكرانيا وكذلك النزاعات المماثلة.
وبينما تواجه أزمة أوكرانيا تصعيداً محتملاً، يتزايد خطر نشوب حرب نووية. وفي هذا السياق، شدّدت الصين على ضرورة “تقليل المخاطر الاستراتيجية”، وأوضحت أن “الحوار والتفاوض هما الحلّ الوحيد القابل للتطبيق لإنهاء الأزمة الأوكرانية”، فموقف الصين هو بالفعل من أجل التنمية والاستقرار في العالم ويتماشى مع مصالح وتطلعات الأغلبية.
ونظراً لأنه لا يزال هناك شوط طويل للتوصل إلى حلّ سياسي، تقدم الصين أفكاراً بناءة بشأن الأزمة، ويجب على جميع الأطراف الالتزام الصارم بالقانون الدولي المعترف به عالمياً، بما في ذلك أهداف ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، واتخاذ تدابير مختلفة للتخفيف من الخسائر والأضرار الناجمة عن الصراع، فمن ناحية سيخلق حلّ الأزمة الإنسانية، وحماية سلامة المدنيين بشكل فعّال لمنع حدوث أزمة إنسانية على نطاق أوسع، الظروف لمحادثات السلام. ومن ناحية أخرى، من أجل تسهيل صادرات الحبوب والحفاظ على استقرار الصناعة وسلاسل التوريد، يجب على جميع الأطراف الحفاظ بجدية على النظام الاقتصادي العالمي الحالي لتعزيز الانتعاش الاقتصادي العالمي.
وبعد أن نشرت الصين ورقة بعنوان “الموقف الصيني من أجل حلّ الأزمة الأوكرانية سياسياً”، راقبت الولايات المتحدة وحلفاؤها موقف الصين عن قرب. ومع ذلك، فقد تمّ إساءة تفسير اقتراح بكين.
إن موقف الصين الثابت وطويل الأمد يدعو إلى احترام السيادة الوطنية ومعارضة العقوبات أحادية الجانب، على عكس موقف الولايات المتحدة التي تتخطى دائماً السيادة الوطنية لأوكرانيا وحقوق الإنسان لشعبها، وتعتبرها فقط أداة للمنافسة الجيوسياسية. لقد ظلت الصين تتخذ على الدوام موقفاً محايداً بشأن الأزمة الأوكرانية، داعيةً جميع الأطراف إلى الالتزام بالقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة وحلّ النزاعات والصراعات بطريقة سلمية وسياسية. لقد حافظت الصين على علاقات ودية مع كلّ من روسيا وأوكرانيا، وقد تمّ الاعتراف بموقف الصين من قبل مؤيدي السلام.
إن الصين ليست طرفاً متورطاً بشكل مباشر في الأزمة الأوكرانية. في المقابل، تمتلك الولايات المتحدة والناتو عجلة القيادة التي تحدّد مصير أوكرانيا. وعلى ضوء هذه الخلفية، تحرص الولايات المتحدة، وحلف شمال الأطلسي على التشكيك بالنوايا الحسنة للصين وإحساسها بالمسؤولية بهدف تشتيت الانتباه وإرباك الجمهور وتقديم المساعدة وتقديم الأعذار الواهية لأفعالهم الشريرة، بدلاً من التفكير بالتأثير السلبي لهذه الأزمة على الوضع الإقليمي والدولي.
تعتزم الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي خلق انقسامات دولية ومواجهات تكتلية من خلال إجبار الدول الأخرى على الانحياز. علاوة على ذلك، يحاولون تشويه صورة الصين في محاولة لممارسة الضغط، بينما يحشدون الحلفاء لتنفيذ استراتيجية “الاحتواء المزدوج” ضد الصين وروسيا.
لقد كانت الولايات المتحدة، من خلال اعتمادها على قوتها وقوة خطابها، تجتذب حلف شمال الأطلسي وحلفاء آخرين بعقلية الحرب الباردة وتحرّض على المواجهة بين الكتلة لتحقيق مصالحها الخاصة. ومثل هذه السلوكيات تعرقل بشكل خطير تنمية العالم وتطوره، كما أنها تتعارض مع المصالح المشتركة للبشرية.