معرض “آلام”.. التشكيليون يقدمون الدعم لمتضرري الزلزال
ملده شويكاني
“الإنسان السوري يحتمل كلّ العقبات والأزمات”، هذا ما قاله رئيس اتحاد الفنانين التشكيليين عرفان أبو الشامات، في معرض “آلام” الذي أقيم بالتعاون بين اتحاد الفنانين التشكيليين وفريق “بصمات إنسانية” في صالة الشعب، لمساعدة متضرري الزلزال بتقديم الفنانين لوحاتهم للاقتناء والتبرّع بثمنها كاملاً للمتضررين.
وقد جمع المعرض أسماء لامعة في المشهد التشكيلي مع أجيال مختلفة من فريق “بصمات”، أما اللوحات فكانت متباينة، حيث جسد بعض الفنانين نكبة الزلزال، وآخرون قدّموا لوحات وثّقت الحرب الإرهابية وتقاطعت بالنتائج الكارثية للزلزال، وكثيرون استمدوا من الطبيعة والبيت الدمشقي مضامين لوحاتهم، كما حفل المعرض بتجارب شبابية نمّت عن أفكار متجدّدة.
تقدمة طوعاً
رئيس الاتحاد، عرفان أبو الشامات، تحدث عن الزلزال الذي ضرب بعض المحافظات السورية، وعن الفنانين الذين أرادوا أن يقفوا إلى جانب إخوتهم المتضرّرين من خلال الحقل الذي يعملون به، بتقديم لوحة أو عمل فني تبرعاً للاقتناء لمساندة المتضررين، وقد ذهل بعدد الفنانين المشاركين وبمحبة الفنان السوري لوطنه وأبناء شعبه، وتحدث عن التنسيق بين الاتحاد وفروعه بالمحافظات بإقامة معارض يعود ريعها للمتضررين بتقدمة الفنانين طوعاً. أما عن تسليم المبلغ الكامل للاقتناء، فسيتمّ عن طريق جهة رسمية مختصة بتوزيعه إلى المنظمات، وعن تسعير اللوحات بيّن أن الأمر متروك للفنانين والمقتنين.
اللوحة هي المال
وأشار أمين سر اتحاد الفنانين التشكيليين غسان غانم إلى أن الفنان يرتبط باللوحات، ولا يملك المال ليقدّمه، فلوحته هي المال، وحينما تباع يحوّل ثمنها إلى المتضررين لمساعدتهم بالعودة إلى متابعة حياتهم.
ومن أعضاء المكتب التنفيذي تحدث الفنان ناصر عبيد المشارك بعملين بتقنية التصوير الضوئي المغاير عن دور الاتحاد بالتنسيق لمشاركة الفنانين الراغبين بتقديم لوحاتهم للاقتناء، وتحويل المبلغ الكامل إلى المنكوبين عن طريق منظمات الإغاثة وبعض الجمعيات التي تعمل على أرض الواقع مثل الهلال الأحمر والأمانة العامة للتنمية والكشاف وغيرها، ونوّه بتقديم مساعدة للفنانين المتضررين الذين بلغ عددهم عشرين فناناً في كلّ المناطق التي أصابها الزلزال والمتضررة في حلب واللاذقية وإدلب وحماة وطرطوس، وهذا واجب الاتحاد تجاه الفنانين.
الوطن هو السقف
الفنان بسام الحجلي أوضح أن مشاركة الفنانين تعدّ مسؤولية أخلاقية تجاه بلدنا لنساهم جميعاً بضوء شمعة يخفّف من آلام متضرري الزلزال، وقد شارك بلوحة عنوانها “على حافة الطريق” تمثل حالة الأنثى المفجوعة التي تنسحب إلى حالة الإنسان الذي يفترش الأرض، مبيّناً أن الوطن هو السقف الذي يحمينا، واجتماعنا في صالة الشعب يدلّ على محبتنا وتكاتفنا معاً لمواجهة نكبة الزلزال بمدّ أيدينا لأبناء شعبنا المتضررين في كلّ المناطق المنكوبة، أما عن الكثافة اللونية في مواضع، فعقب بأن الإنسان تراكمات من الصور والذاكرة والأمكنة والتاريخ، وقد انكسرت بداخله هذه الصور، فصارت مجموعة كتل بعد معاناة ثلاث عشرة سنة من الأزمة ثم الزلزال، وأحاول أن أعبّر عن مشاعري دون مغالاة بأن يحمل الغد بريق الأمل ولمسة تفاؤل.
حالة الهلع من الزلزال
أما الفنانة ربا قرقوط فترى أن هذه المشاركة مختلفة عن كلّ المشاركات لأنها ترتبط بوجع كبير بألم لا يوصف عن أسر كاملة قضت نحبها، عن أطفال تشردوا بعد فقد الأهل والسكن والمعيل، عن بيوت تهاوت وجثث تحت الأنقاض، وتابعت عن مشاركتها بلوحة رسمتها بعد الزلزال لحالة الهلع والخوف التي انتابت الناس، فنقلت بكل تكويناتها وخطوطها مشاعر الحزن وكل ما أحسّت به من خلال الوجوه الشاحبة المحاطة بهالة اللون الأسود الدال على الأذى النفسي، بألوان زيتي بتقنيات متعدّدة.
أسماء لامعة
د. قتادة الزبيدي، مديرة فريق “بصمات إنسانية” الذي يضمّ سبعين فناناً وفنانة من مختلف الأعمار، أوضحت أن مشاركتهم كانت برعاية اتحاد الفنانين التشكيليين الذي طرز المعرض بمشاركة أسماء كبيرة لامعة بالمشهد التشكيلي مثل د. ميسر كامل وبسام الحجلي وناصر عبيد ومخلص الورار.. وغيرهم.
زلزال سابق
سامر الصعيدي من فريق بصمات رسم مدينة دمشق التي هيمن عليها اللون الأحمر بالتخطيط لهياكل بيوتها ونوافذها ومعالمها بالخط الأسود العريض مع مسحات لونية للون الأبيض، وإضافة تقنية الكولاج بقصاصات الصحف القديمة بأسلوب تعبيري بسيط، وعقب بأن كثيرين اعتقدوا أنه رسم اللوحة بعد الزلزال إلا أنه رسمها عام 2017 حينما كان زلزال الحرب الإرهابية واقعاً، وكانت دمشق مغمورة بالدم.
الياسمين والبيت الدمشقي
كما حفل المعرض بمشاركات جميلة مثل لوحة د. ميسر كامل بأسلوبه التعبيري لثنائية أنثوية ترسم صورة الاحتماء، والفنانة ماجدة فانوس من فريق بصمات التي جسّدت فيها عتبة البيت الدمشقي مزدانة بالنباتات الخضراء مركزة على الباب والمطرقة والفانوس الجانبي، وأظهرت تشققات الحائط الدالة على القدم ومرور الزمن.
سوسن محمدية رسمت وريقات الياسمين بالسكين بعجينة كثيفة وسط تدرجات ألوان الأخضر مع مسحات اللون الزهري، معبّرة عن تفتح الأزهار والياسمين رغم الخراب والدمار، مبينة قدرتنا على تجاوز فجائعية الزلزال.
ومن مخيم الوافدين قدّمت فاطمة السودي مجموعة لوحات صغيرة لحركات كلاسيكية للأنثى، وخصّت واحدة لإظهار تناوب الحزن والفرح في الحياة من خلال وجه أنثى نصفه قاتم والنصف الآخر مضيء.
الترميم والعودة
كما حفل المعرض بتجارب شبابية غنيّة بالأفكار والتنفيذ من فريق بصمات مثل لوحة عمر موسى التي اعتمد فيها على سكب ألوان عدة للأسود والأزرق والذهبي دون دمجها، ووسط اللوحة الفصل بين الوجه الحقيقي والقناع. في حين تميّزت مشاركة تالا ظاظا مصمّمة الأزياء التي اعتمدت على مشروع تخرجها بالترميم بورق وبودرة الذهب بالخلط مع الريزين، فرسمت أنثى مهشمة الوجه ومرممة باللون الذهبي، مركزة على ثوبها المغطّى بقماش مكثف يعرف بـ”الكشكشة” لإظهار الحالات النفسية التي يعاني منها المتضررون كما ذكرت.
وبأسلوب تعبيري دمجت آية النحاس بين الأنثى وزهرة عباد الشمس، تتقاطع مع دانية عثمان التي صوّرت الشجرة برمزيتها للحياة تنبثق منها الأنثى بألوان مشرقة.
حضور التصوير الضوئي كان مقتصراً على لوحة أمل بقاعي بلقطة تظهر الضوء والظلّ لمشهد الشرفة من داخل الغرفة، وتوجد مشاركة لمنحوتات صغيرة لحالات إنسانية.
ومن الحاضرين الفنان بشير بدوي القادم من حلب بعد أن تضرّر وتصدع منزله، فتحدث بألم عن هذه النكبة المدمرة، مشيداً بمبادرة الفنانين في معرض “آلام”.