زيارة مارك ميلي غير المرحب بها
د. نجم حمد الأحمد
أستاذ القانون العام- جامعة دمشق
تمثّل قضية التدخل عير المشروع في الشؤون الداخلية للجمهورية العربية السورية، من قبل الولايات المتحدة، قضية سياسية واقتصادية وقانونية وأخلاقية في آن معاً، ذلك أن تصرفات الولايات المتحدة غير المشروعة لا تستند إلى أي شرعية قانونية، وتعدّ خرقاً سافراً لمبادئ القانون الدولي، وميثاق الأمم المتحدة، وخصوصاً تعارضها مع مبدأ سيادة الدولة، وانطوائها على إجراءات قسرية أحادية الجانب من أجل تحقيق أهدافٍ غير مشروعة. كما تمثّل تلك التصرفات انتهاكاً لمبدأ وجوب تنفيذ الالتزامات الدولية بحسن نيّة، سواء الالتزامات العقدية، أو التي تفرضها القواعد العرفية والمبادئ المعترف بها في القانون الدولي.
هناك عديد من الأهداف السياسية التي تسعى إليها الولايات المتحدة من دعمها التنظيمات الإرهابية والقوى الانفصالية، وخصوصاً “شرق الفرات”، فهي تريد الضغط على خصومها السياسيين، وتوجيه رسائل تهديد مبطن إلى الدول الأخرى، واستثمار وجودها العسكري كورقة تفاوض في قضايا سياسية ملحة على الصعيد الإقليمي والدولي.. وفي مقابل كل ذلك، فإن الولايات المتحدة لا تعير أي انتباه لمعاناة الشعب السوري جراء سياساتها المغلوطة وغير المشروعة، وما أنتجته من ظروف معيشية بالغة الصعوبة والتعقيد، والنزول بمستوى المعيشة لدى شريحة واسعة من الناس إلى ما دون مستوى الكفاف، وحرمان المواطن السوري من حقوقه الإنسانية الأساسية في الحياة والبقاء.
وبطبيعة الحال، فإن الزيارة التي قام بها رئيس الأركان الأمريكي مارك ميلي إلى شمال وشرق سورية ليست إلا واحدة من سلسلة كبيرة من تدخلات الولايات المتحدة غير المشروعة في منطقة الشرق الأوسط عموماً، وفي سورية على وجه الخصوص، وهي الزيارة التي أعلن فيها أن الهدف تقديم الدعم للقوات الانفصالية ممثّلة بتنظيم “قسد” الإرهابي، أما الهدف الثاني المعلن من الزيارة، أي “محاربة الإرهاب في كل أنحاء سورية” فإنه قول يفتقر إلى الصحة والموضوعية، فما من دولة قدمت الدعم إلى التنظيمات الإرهابية في سورية كما فعلت الولايات المتحدة، وما تنظيم “داعش” الإرهابي إلا أحد صنائع الولايات المتحدة في المنطقة، والأهم من ذلك كله من الذي طلب من الولايات المتحدة أصلاً التدخل في سورية لأي سبب من الأسباب؟
وما لا شك فيه أن تصرفات الولايات المتحدة غير المشروعة، ومنها زيارة رئيس الأركان الأمريكي غير المرحب بها إطلاقاً، تمثل تهديدا للأمن والاستقرار في المنطقة، فهي فضلا عن كونها تهدد سيادة سورية، وتنال من وحدة أراضيها، فإنها بالتوازي تمثّل تهديداً لكل من تركيا والعراق وإيران، وتشكل محاولة لإجهاض أي تقارب بين دول المنطقة، بما في ذلك التقارب المحتمل بين تركيا وسورية.
يتعيّن على الإدارة الأمريكية أن تتوقف عن انتهاك القانون الدول، والتوقف عن دعم التنظيمات الإرهابية، والقوى الانفصالية، ومن واجب المجتمع الدولي تحمل مسؤولياته في إدانة مثل هذه التصرفات القميئة.. وإذا “كان نشر القوات الأمريكية في سورية منذ ما يقارب الثمانية أعوام.. لا زال يستحق المخاطرة”، كما يدّعي ميلي، فإننا نقول له: عليك تحمل تبعات هذه المخاطرة، فإذا كان المجتمع الدولي في حالة صمت مهين، فإن أبناء المنطقة في شرق الفرات سيذيقون قواتك هزيمة يسجلها التاريخ، من خلال مقاومة احتلاكم بكل الوسائل المتاحة، وما علينا إلا انتظار قادمات الأيام ليرى الجميع ما سيحدث من وقائع الأحداث ومجرياتها.