مجلة البعث الأسبوعية

في عيد المرأة العالمي.. صفحات من نضال المرأة الجولانية

البعث الأسبوعية – محمد غالب حسين

إن المرأة الجولانية أيقونة المحبة، وسيدة الأرض في الجولان السوري المحتل، وابنة البطولة، وأم الأبطال، وأخت الرجولة، وحفيدة الشجاعة والإقدام، وابنة العزة والكرامة التي استقتها من أرض الأجداد.

إن نضال المرأة في الجولان العربي السوري المحتل لم يكن ظاهرة عابرة في تاريخ المجتمع السوري، فقد جسّدت المرأة السورية دورها الريادي والقيادي في كل الميادين أسوة بالرجل. وفي استحضار سريع للذاكرة الوطنية السورية بمناسبة عيد الأم، تتزاحم مشاهد وصور كثيرة من نضال المرأة، ونستذكر بفخر أسماء مضيئة أنارت ظلمات القهر والظلم، وقاومت الاحتلال على مر العصور، فمنذ عشتار السورية آلهة الخصب والجمال، مروراً بـ زنوبيا ملكة تدمر صاحبة الحلم الامبراطوري والتحدي الكبير للرومان، هناك أسماء وشخصيات نسائية كثيرة جسّدت قمماً في العطاء والتضحية كـ لبيبة هاشم التي أصدرت في عام 1906 مجلة “فتاة الشرق”، وماري عجمي التي أسست أول صحيفة نسائية عرفها المجتمع السوري “صحيفة العروس” في عام 1910، مروراً بعشرات الشهيدات والمقاومات الماجدات اللواتي شاركن بالثورة العربية الكبرى لطرد الاستعمار العثماني، والثورات السورية ضد الاحتلال الفرنسي.

لم يقتصر نضال الأم السورية في الجولان السوري المحتل على تمسكها بأرضها، بل تعدى ذلك لتنخرط في عمليات مقاومة مباشرة مع هذا الكيان، فاشتركت في خلايا المقاومة السرية، وشاركت بالمظاهرات، وخاضت معركة الانتماء الوطني والعروبي، وحافظت على الروابط الاجتماعية والأسرية، ووقفت إلى جانب زوجها ودعمته فكانت الأم العاملة والمنتجة، ونجحت في تعليم أبنائها بالرغم من حالات التضييق والخنق الذي مارسته سلطات الاحتلال الصهيوني.

قدمت المرأة الجولانية خلال تصديها للاحتلال الإسرائيلي الدم الزكي الطهور، وارتقت شهيدات خالدات في تاريخ الوطن، نذكر منهن أمينة إبراهيم، وأمينة يوسف الصباغ، وبسمة نخلة، وتميمة أحمد سماره، وحميدة أبو صالح، وزليخة أيوب، وشاهينة عماشة، ومحمودة ذياب بريك، ومدلله عويدات، وورد أبو صالح، وعشرات النسوة اللواتي قضين دفاعاً عن الواجب الوطني، حيث بلغ عددهن أكثر من 35 شهيدة.

لقد سجلت المرأة الجولانية دوراً نضالياً وطنياً رائداً ومشرفاً منذ احتلال “إسرائيل” للجولان في عدوان حزيران عام 1967، فانخرطت في خلايا المقاومة الوطنية السرية، وتعرّضت للملاحقة والاعتقال من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي، نذكر منهن زاهية مرعي، وسنية ورسمية كنج أبو صالح، وكاميليا وأميرة شكيب أبو جبل، وجوليا مرعي الصفدي، ومحسنة مرعي، ونجاح الصفدي، وهالة عويدات، وحلوة مصطفى عمران، وفريال عارف عزام، وسهى منذر، وسميحة الصفدي، ونجاح الولي، وأمل القضماني، ونهدية الصفدي، وإلهام أبو صالح، ويارة فوزي أبو جبل، وعرين حسين خنجر، ونهال المقت، إضافة إلى عشرات النسوة اللواتي تم إصدار الحكم عليهن بالغرامات المالية لمشاركتهن في الإضرابات والتظاهرات والاعتصامات الوطنية التي كانت تجري في الجولان المحتل، حيث تم اعتقال العديد من المناضلات الجولانيات أثناء هذه التظاهرات، وقد دام اعتقال بعضهن سنوات عديدة كالأسيرة المحررة آمال مصطفى محمود التي قضت في سجون الاحتلال الصهيوني خمس سنوات.

‏لقد استطاعت المرأة والأم الجولانية أن تجسّد المدرسة الوطنية الأولى التي خرّجت مئات المناضلين في مواجهة الاحتلال، والتشبث بالأرض، والتمسك بالهوية العربية السورية، والانتماء‏ للوطن الأم سورية.

وكتب يوم الثامن من آذار عام 1987 صفحة خالدة من النضال الوطني للمرأة الجولانية، حين هبّ طلبة مدارس قرية بقعاثا الجولانية صبيحة ذلك اليوم للاحتفال بإرواء القرية بمياه الشرب القادمة من الوطن الأم بمحاذاة خط وقف إطلاق النار ضمن برنامج احتفالات الوطن بعيد ثورة الثامن من آذار ويوم المرأة العالمي، الأمر الذي اعتبره الاحتلال الإسرائيلي تحدياً خطيراً لقراره بمنع السكان من التجمهر في محاولة لمنع، وعرقلة الخطوة السورية في تقديم الدعم غير المحدود لأبناء الجولان، تعزيزاً لصمودهم، ودعماً لمواقفهم النضالية الوطنية المشرفة، فأقدم على محاولة اعتقال أربعة شبان من أبناء القرية الذين احتضنتهم جماهير بقعاثا، ومنعت قوات الأمن الإسرائيلي من التعرّض لهم، فأصدر قائد الشرطة الإسرائيلية الإرهابي “يعقوب غانوت” أمراً إلى قواته باقتحام القرية واعتقال المطلوبين فيها، وتفريق المتظاهرين بالقوة، فبدأت قوات الشرطة الإسرائيلية بإطلاق الغاز المسيل للدموع، والتعرّض للشيوخ والأطفال والنساء بالضرب بالعصي والهراوات، فهاجم أبناء قرية بقعاثا قوات الشرطة الإسرائيلية، وطردوها من شوارع القرية بعد أن أصدر قائدها أمراً بإطلاق العيارات النارية على السكان.

كانت إحدى رصاصات الحقد قد اخترقت جسد الشهيدة الخالدة غالية فرحات التي كانت تقدم العون والمساعدة لمصابي قنابل الغاز المسيل للدموع من على بعد 300 متر من مركز إطلاق النار، فتهاوى جسد شهيدة الحركة الوطنية السورية في الجولان في تمام الساعة الواحدة بعد الظهر عن عمر ناهز 53 عاماً، ومعها في الشارع عشرات المصابين من السكان جراء استنشاق الغاز، والضرب المبرح، حيث ازدهت البطلة غالية فرحات بوشاح أرجواني جراء إصابة طلقة نارية مباشرة في رأسها تاركة وراءها سبعة أولاد.

استحالت قرية بقعاثا والجولان كله إلى ملحمة صمود وتحد وكبرياء استعداداً لإقامة عرس وطني كبير تُزف به شهيدة الجولان الخالدة في ذاكرة الوطن وتاريخه، فمن مجدل شمس ومسعدة والغجر وعين قنية كانوا شيوخاً ونساء وأطفالاً يقتحمون حواجز الموت والقهر الإسرائيلي المتمركزة على مداخل قرية بقعاثا للمشاركة في الطقوس الجولانية الخاصة بوداع الشهداء الذين ضحوا للانتماء والهوية العربية السورية للجولان، لقد شيّعت الحركة الوطنية السورية في الجولان شهيدتها في تظاهرة وطنية كبرى شارك فيها الآلاف من أبناء الجولان السوري المحتل.

قبل ستة وثلاثين عاماً استشهدت البطلة غالية فرحات، ومازالت ذكراها العطرة تفوح في أرجاء الوطن، وقد كرّمها الوطن الأم بإطلاق اسمها على عدة مدارس، في جرمانا ومدينة البعث، إضافة لإطلاق اسمها على دورة الضباط الخريجين في الكلية الحربية آنذاك، كما كتب العديد من الشعراء السوريين والعرب قصائد خلّدت ذكرى شهيدة الجولان، ومجّدت نضالات أبناء الجولان السوري المحتل أبناء الجولان السوري المحتل الذين يؤكدون على الدوام رفضهم للاحتلال الاسرائيلي، وما صدر عنه من قرارات إحتلالية زائلة، وإجراءات عدوانية باطلة، مؤكدين الانتماء الأصيل للوطن الأم سورية، والاعتزاز بهويتهم العربية السورية، والولاء لقائد الوطن السيد الرئيس بشار الأسد، معبّرين عن رفض الاحتلال الإسرائيلي، والثقة المطلقة بتحرير الجولان، وعودته لوطنه وشعبه وأهله .