“تيك توك”.. كبش فداء آخر
عناية ناصر
مرة أخرى، تواجه خدمة الشبكة الاجتماعية “تيك توك” التي نجت من القمع الأمريكي، خلال إدارة ترامب، الخناق السياسي المشدّد في ظل إدارة بايدن، حيث أصبحت مناورة الولايات المتحدة في الآونة الأخيرة لحظر خدمة “تيك توك” موضوعاً ساخناً في الساحة السياسية الأمريكية، وانتقلت مثل هذه الإجراءات إلى حلفاء الولايات المتحدة مثل أوروبا وكندا.
إن مثل هذا الإجراء هو بمثابة هجوم سياسي آخر على الشركات الصينية باسم الأمن القومي، كما أنه يعتبر قضية سياسية، وليست قضية أمنية حقيقية، ومسألة أيديولوجية وليست قانونية، فالاتهام بأن خدمة “تيك توك” تشكل مخاطر أمنية لا يستند إلى أية أدلة محدّدة، ولا أية قوانين قائمة، حيث تمتلك أوروبا والولايات المتحدة أكثر الأنظمة القانونية والسياسات شمولاً فيما يتعلق بالأمن السيبراني والقومي، وإذا كان “تيك توك” يتسبّب بمشكلات تتعلق بالخصوصية، فيمكن حلّ هذه المشكلات من خلال الآليات المقابلة مثل توطين البيانات ومراجعة لحالة الأمان.
ومن الواضح أن الأمان والخصوصية مجرد ذريعة تستخدمها الولايات المتحدة لمهاجمة خدمة “تيك توك”، فالسياسيون الذين يريدون تدميرها وقوى الأعمال التي تقف وراءهم لا يريدون منح “تيك توك” الفرصة والحقوق للامتثال للقوانين واللوائح المحلية. ومع ذلك، لا يمكن للسياسيين الأمريكيين التصرف بتهور، ويجب أن يضعوا في الاعتبار عواقب ذلك التصرف، ولاسيما “النتائج العكسية” الأربع الناجمة عن الحظر.
ستكون النتيجة العكسية الأولى سياسية، وذلك لأن جوهر المشكلة التي يواجهها “تيك توك” هو قضية سياسية وليست منافسة تجارية حقيقية أو قضية أمان وخصوصية، لذلك لا يمكن تبريرها.
على الرغم من أنه لا يكفي أن تعتمد الشركة على نفسها فقط لحلها بشكل فعّال، إلا أنه لا يزال بإمكان الشركة استخدام الإجراءات القانونية للردّ وتأكيد حقوقها. ومع تعميق مشروع تكساس، الذي يهدف إلى حماية بيانات المستخدم وحماية مصالح الأمن القومي للولايات المتحدة، ستواصل “تيك توك” زيادة شفافية أعمال صيانة النظام الأساسي، بما في ذلك إنشاء مركز الشفافية والمساءلة الأوروبي في دبلن، وإعلان الجمهور فهم أساليبها القوية والشاملة لحلّ قضايا الأمن القومي إلى أقصى حدّ ممكن.
كما سيكون لمثل هذا الحظر نتائج عكسية بسبب مستخدمي هذه الخدمة، حيث يوجد لدى “تيك توك” أكثر من 100 مليون مستخدم في الولايات المتحدة، ومن المؤكد أن حرمان مئات الملايين من المستخدمين الأمريكيين من حق استخدام هذه الخدمة الشعبية الرائجة، وخاصة الشباب منهم، سيؤدي إلى رد فعل اجتماعي كبير، خاصة وأن الإحصاءات المتعلقة بإيرادات إعلانات “تيك توك” تجاوزت 11 مليار دولار في عام 2022، وأصبحت المصدر الرئيسي للدخل للعديد من كبار مستخدمي “تيك توك”
بالإضافة إلى ذلك، ستكون ارتدادات هذا الخطر على السوق العالمية، حيث لا يمكن التقليل من الآثار السلبية طويلة المدى للحظر الأمريكي على “تيك توك”، لأن عمالقة الإنترنت في الولايات المتحدة لديهم حالياً تخطيط عالمي بأن تغطي الشركات جميع البلدان تقريباً. ومع هذه السابقة التي أنشأتها الولايات المتحدة، يمكن لدول أخرى في المستقبل أن تحذو حذوها، وعرقلة وكبح جماح البرامج الأمريكية من خلال الاستشهاد بالعوامل السياسية، ومن المرجح أيضاً أن تصبح العقوبات المفروضة على “تيك توك” أقوى مثال للدول الأخرى لاتخاذ إجراءات مماثلة ضد الولايات المتحدة.
حتى نتائج هذا الحظر ستكون عكسية على صناعة الإنترنت، حيث ستشكل إجراءات الحكومة الأمريكية لحظر “تيك توك” مخاطر غير مسبوقة على انفتاح صناعة الإنترنت، وخاصة مع توقيع الإدارة الأمريكية في 28 نيسان 2022 مع أكثر من 50 دولة وإصدار “إعلان لمستقبل الإنترنت”، والذي يتضمن تعهدات لدعم مستقبل الإنترنت وهو مجاني وعالمي قابل للتشغيل البيني وموثوق وآمن، وأنه يمكن للشركات من جميع الأحجام الابتكار والمنافسة والازدهار بناء على مزاياها في نظام بيئي عادل وتنافسي. ومع ذلك، فإن الإجراءات ضد “تيك توك” تقوّض بوضوح جوهر الإعلان.
من الواضح، أنه مع استمرار الولايات المتحدة في تصعيد هجماتها على صعود الصين، سيزداد الضغط على “تيك توك”، حيث أصبحت مسألة “تيك توك” نتاجاً لعوامل متشابكة للغاية للمصالح السياسية والتجارية، والتي تحفز وتتعاون مع بعضها البعض بشكل متبادل. لذلك فإن مجرد الاعتماد على منطق العمل العادي والتنازلات والتسويات من غير المرجح أن يخفّف بشكل فعال من الأزمة الحالية.
تعتبر “تيك توك” أول شركة إنترنت معولمة ناجحة في الصين، ولها أهمية بارزة بالنسبة للتكنولوجيا الفائقة والتنمية في الصين. ولذلك، أصبحت “تيك توك” “كبش فداء” آخر بعد “هواوي”. وبناءً على ذلك يتعيّن على الشركات الصينية استخدام الإجراءات القانونية للدفاع بحزم عن حقوقها ومصالحها المشروعة.
تحتاج الشركات الصينية بشكل عاجل إلى مواجهة التدخلات السياسية المختلفة من قبل الولايات المتحدة، سواء كانت تلك المتعلقة بأشباه الموصلات أو معدات اتصالات شبكة الجيل الخامس أو الإنترنت، كما أن تسريع صعود الصين للتكنولوجيا الفائقة في السوق العالمية هو أقوى وسيلة لمحاربة السياسيين الغربيين والحلّ الأساسي للمشكلة.