“الاتفاق” كانتصار لوجهة النظر السورية أوّلاً
أحمد حسن
لأسباب معروفة، ومفهومة، أغفلت معظم “الأقلام”، وهي “تقترف” التحليل الاستراتيجي، و”النبش” العميق في بنود الاتفاق الإيراني – السعودي، ومآلاته المفترضة، حقيقة أن هذا “الاتفاق” يمكن قراءته أيضاً كانحياز – كي لا نقول كاعتراف – إلى وجهة النظر السورية القديمة والثابتة التي دعت منذ زمن طويل إلى التشبيك بين دول المنطقة والإقليم سواء لمواجهة ما يريده الخارج، وهو معروف، أم لمواجهة العثرات الطبيعية والمصطنعة في طريق مستقبل أفضل لشعوبها.
وإذا كانت “أوهام” البعض قد ضربت، حينها، عرض الحائط بوجهة النظر السورية، وضربت بالتالي استقرار المنطقة بأكملها، فإن وجهة النظر هذه عادت لتنتصر اليوم بعد أن تحطّمت هذه “الأوهام” على صخرة الصمود السوري من جهة أولى، وتكشّفت، من جهة ثانية، عن كونها سيفاً ذا حدّين.
بهذا المعنى، لا يمكن الاكتفاء بالحديث عن انعكاس إيجابي للاتفاق الجديد على قضايا المنطقة، وسورية منها، وهو أمر صحيح بذاته، بقدر ما يجب الإقرار، أولاً، بحق طبيعي لسورية فيه، انعقاداً ونتائجَ، باعتبارها كانت سبّاقة في الدعوة إليه وسبّاقة في دفع ثمن ذلك، وتحديداً بعد أن أطلقت، قبل عام 2011، رؤية “البحار الخمسة” التي عصفت بها حينها أوهام بناها البعض على “طائرات الناتو” التي ستجلب له “المنّ والسلوى”، ليكتشف لاحقاً أنها كانت تستهدفه أيضاً.
وبهذا المعنى أيضاً يمكن القول: إنه إذا كان خبر الأسبوع الماضي هو، بكل المقاييس والمعايير، ليس “الاتفاق” على أهمّيته، بل الرعاية الصينية له وتوقيعه في “بكين” ذاتها – وهي “العدو” الأبرز في وثيقة “استراتيجية الأمن القومي” الأخيرة التي أصدرتها إدارة بايدن في تشرين الأول الماضي – بما يعدّ إيذاناً علنيّاً بدخولها السياسي إلى المنطقة، والعالم، من بابه الواسع، فيجدر بالجميع أيضاً الإقرار بأن “بكين” سبق لها أن ولجت هذا الباب، ولو بحذر، عن طريق دمشق حين استخدمت، مع روسيا، بدءاً من عام 2011، حق “الفيتو” في مجلس الأمن ضد مشاريع التدمير الغربية المتوحّشة.
بيد أن “الدرس السوري” لا يمكن اختصاره في جزئية “الرؤية” و”الراية” فقط بالنسبة لهذا “الاتفاق”، بل هو “درس” يمتدّ إلى التحذير والتنبيه لحماية مآلاته أيضاً، فحين نتحدّث عن هذا “الزلزال” السياسي – مرة جديدة ليس “الاتفاق” فقط بقدر ما هو الرعاية الصينية له – يجب علينا الانتباه إلى “تبعاته” لأن بعض ما جرى بعد عام 2011 ضد دمشق كان بسبب طرحها، وفعلها، “التشبيكي” الشهير.
لذلك كلّه، وفيما يُفترض على بعض “الأقلام” أن تتواضع قليلاً، وتعترف بالتالي – وهي تهلّل للاتفاق – بالحقيقة المجرّدة، ليس من أجل دمشق التي لم تعتَد التوقّف أمام مثل هذه “الصغائر”، بل من أجل صدقية هذه الأقلام ذاتها قبل أيّ أحد آخر، فإنه يُفترض أيضاً بـ “البعض” إسناده إلى تاريخ طويل سابق من محاولات التشبيك والتوعية بها، وبالتالي “إسناده” أيضاً، وأوّلاً، بتلك القوى الفاعلة والداعمة حقاً بعيداً عن “أتباع كل ناعق” الذين صفّقوا للخلاف وأجّجوا نيرانه سابقاً، ويصفّقون اليوم “للاتفاق”، ليس لأن مواقفهم قبض ريح لا أكثر، بل لأن “البلدين” لا يمكن لهما، وحدهما، حلّ قضايا المنطقة كلها، فالأطراف الأخرى، الإقليمية والدولية المعروفة، تملك من القوة والنفوذ و”الرغبة” ما يمكّنها من عرقلة التفاهم وتفجيره أيضاً، وخاصة أن امتداد جدول تنفيذه الزمني على مساحة شهرين كاملين سيسمح لـ “شياطين” التفاصيل و”شياطين” المتضرّرين، وعلى رأسهم واشنطن وتل أبيب، اللعب بحريّة في ساحات الاختلاف، وهنا تحديداً تبرز ضرورة تحصين “الاتفاق” بدُعاته الأصليين وبالقوى الوطنية في المنطقة والعالم فقط، لا غير، وذلك “درس” دمشق و”دورها” أيضاً.