كم سنُنتج قمحاً في موسم 2023..؟
علي عبود
لم تعد وزارة الزراعة قادرة على معرفة الإنتاج المتوقّع من القمح، فهي تتنبّأ برقم طموح لتتفاجأ في نهاية الموسم أن حسابات الحقل أقلّ بكثير من حسابات البيدر، أيّ الحصاد! وبما أن الوزارة أعلنت بتاريخ 20/ 2/ 2023 عن زراعة 1.25 مليون هكتار بالقمح، فإنها للمرة الأولى تجاهلت الكميات التي ستنتجها هذه المساحة من محصول استراتيجي كانت سورية تنتج منه ما لا يقلّ عن 4 ملايين طن سنوياً.
السؤال: هل كانت وزارة الزراعة في السنوات القليلة الماضية تتوقع وتتنبّأ بإنتاج كبير من القمح استناداً إلى التمنيات، أم إلى معطيات واقعية ترتكز على إنتاج السنوات السابقة؟
بالنسبة للمساحات البعلية، فإن وزارة الزراعة تتنبّأ بإنتاجها لأن مردودها الفعلي مرتبط بالأمطار وهطولها في الأوقات التي تحتاجها السنابل في فصل الربيع، وغالباً ما تُخيّب الطبيعة تنبؤات وزارة الزراعة، فتتحوّل المساحات البعلية إلى مراعٍ للأغنام. أما بالنسبة للمساحات المروية فالأمر مختلف تماماً، إذ يمكن معرفة حجم الإنتاج مسبقاً، ولو بحدوده الدنيا استناداً لغلة الهكتار الواحد، مقارنة بأعوام الإنتاج على مدى ثلاثة عقود ماضية!.
وبما أن المساحة المروية المزروعة بالقمح عام 2023 بلغت 578998 هكتاراً، وبما أن غلة الهكتار الواحد لا تقلّ عن 2 طن، فهذا يعني إن إنتاجنا من القمح المروي سيتجاوز كمية 1.15 مليون طن. وفي حال توفرت الأمطار في حدودها الدنيا للمساحات البعلية، البالغة 670586 هكتاراً، وكان مردود الهكتار طناً واحداً فقط، فإن إنتاجنا من القمح في موسم 2023 سيتجاوز 1.8 مليون طن، وهو أقل من احتياجاتنا السنوية.
وبما أن المحصلة النهائية تعتمد على الكميات التي تشتريها مؤسّسة الحبوب من المنتجين، فإن المساحة المزروعة في المناطق الآمنة هي الأساس لتقدير الكميات الفعلية المتاحة للاستخدام الحكومي، وبما أن هذه المساحة تبلغ 546873 هكتاراً فهذا يعني أن إنتاجها لن يتجاوز 900 ألف طن أي أقل بكثير من الاكتفاء الذاتي!
وحتى هذا الرقم لن يتحقق إن لم يتمكّن المنتج من الحصول على المحروقات والأسمدة في أوقاتها، وإن لم تؤمّن وزارة الري المياه الكافية للمحصول في أيام الحرّ، فالإنتاج الفعلي يتوقف على تأمين مستلزمات الإنتاج، وليس على التنبؤات والتمنيات. وما يصدرُ عن التنظيم الفلاحي يشير إلى أن هناك صعوبات بتأمين مستلزمات القمح، في حين لا يمكن التنبؤ بموسم الأمطار بالنسبة للمساحات البعلية.
والسؤال: لماذا لا تركّز الحكومة على تأمين مستلزمات المساحات المروية لتحصد كميات مضمونة من القمح بمنأى عن تقلبات المناخ المتهم الدائم والجاهز بأنه المسؤول عن تدهور محصول القمح الإستراتيجي خلال الأعوام الماضية؟
لقد وصلت غلة الهكتار في السنوات التي كانت فيها مستلزمات الإنتاج كافية ووافية إلى 2.4 طن، ما يعني أن الإمكانية متاحة لإنتاج كمية 1.35 مليون طن، وقد ترتفع مع إنتاج المساحة البعلية إلى 2.5 مليون طن، أي ما يوازي تقريباً الحاجة السنوية من هذا المحصول ويوفر على الخزينة ملايين الدولارات التي ستنفق على استيرادها.
نعم، إن الوصول إلى رقم إنتاجي من القمح يزيد عن احتياجاتنا، كما كانت حالنا ما قبل عام 2008، يتوقف على تأمين المستلزمات الأساسية لهذا المحصول، ونأمل أن يكون اجتماع وزيري الزراعة والنفط مؤخراً قد ذلّل أزمة توفير المحروقات، وأن تكون آلية توزيعها على المنتجين، سواء بالبطاقة العائلية أو الإلكترونية، هي الحلّ الجذريّ لمنع تسرّب المحروقات المخصّصة للزراعة إلى السوق السوداء من جهة، وتوفرها بالكميات الكافية بأوقاتها المناسبة لجميع المنتجين من جهة أخرى.
الخلاصة: لقد آن الأوان كي تبدأ الحكومة بوضع البرامج المادية والزمنية لتأمين المستلزمات الزراعية لمحاصيلنا الإستراتيجية، وفي مقدمتها الحبوب والقطن والأعلاف، بما يتيح الاكتفاء الذاتي، ولا يمكن تحقيق هذا الهدف إلا بالعودة إلى نهج تسعينات القرن الماضي أي “الأولوية للزراعة”، وليس للاستيراد كما هو سائد منذ عام 2008!!.