مأزق ومرارة
عبد الكريم النّاعم
أكاد أحار من أين أبدأ، لكثرة المواقع التي يمكن البدء منها، على ما فيها من مرارة، ولعلّ أقربها في الإيذاء وشدّة التعجّب هي مشكلة “البصل!!”.
تُرى.. ألا يستطيع فلاحونا، وأصحاب البساتين، ومَن حول بيوتهم فسحة صغيرة أن يستفيدوا من ذلك؟! أعرف أنّه لا يحلّ أزمة، ولكنّه يسدّ أحد الخروق التي اتّسعت على الرّاتق، فإذا أضفنا إلى ذلك “البرغل”، عمود الرُّكَب في منطوقنا الشعبي الذي كان مُتداولاً، تكتمل الدائرة.
قد لا يفيد كثيراً طرح السؤال: كيف وصلت الأمور إلى هذه الدرجة من المأزقيّة والمرارة؟!! فالعوامل الخارجيّة، مع شدّة خطورتها، وعُمق مثولاتها المدمّرة، وإنْ كانت الجانب الأكبر أهميّة من حيث الفاعليّة، فإنّها ليست الوحيدة، ولا بدّ أن يُضاف إليها الأسباب الداخليّة، بما لها من دلالات كارثيّة.
تُرى هل نحن عاجزون لهذه الدرجة عن ابتكار خطط مرحليّة سريعة، يُشارك في وضعها أصحاب الاختصاص، الذين يتّصفون بالكفاءة، والنّزاهة، فيُسار بخطّين متوازيين، يدعم أحدهما الآخر، من خلال المعطيات الممكنة، وليست المتخيّلَة؟!!
ثمّة جهات أصبح كلّ دورها محصوراً بتأمين الضروري، وبتأمين ما تحتاجه جماعة الخمسة بالمائة التي تغوّلت فأوغلت في الفساد والإثراء غير المشروع، والخطير في الأمر أنّ ما يُتّخذ من بعض القرارات يلعب في صدوره السماسرة، والتّجار، والوسطاء، وهذا يسكّر كلّ أفق آخر، فهؤلاء لا تهمّهم إلا مصالحهم، ولستُ أزعم أنّ جميع أصحاب رؤوس الأموال هم على هذه الشاكلة، فثمّة تجّار شرفاء وقلبهم على البلد، ولهم رؤى تدعو لحلول يرونها، وفيها مصلحة الجميع، بيد أنّهم مُغيَبون بفعل فاعل، والصورة السائدة تكاد تسدّ آفاق الحلّ.
في الجانب الآخر أتساءل: هل فقد فلاحنا السوريّ القدرة على اجتراح حلول، بعضها في يده، وبحسب المُتاح، وهو سليل آلاف السنين من التعامل مع الأرض؟!!.
أين روح المُبادرة، والأخذ بما يُنقذه، بل ويُساعد فيه مَن حوله، ويكسر به مرارة اللُّقمة، وانكسار الروح، وكيف انطفأت تلك الجذوة؟!!.
لا بدّ من البحث الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في العوامل التي أوصلت إلى التّواكل، والوقوف متفرّجاً، وهو بيده بعض مفاتيح الحلّ، كمقدّمة لبدايات تتّسع عبر التآزر، والتّكافل، وإحياء روح المُبادرة، والقيام بما يُساعد ويسند الروح.
أذكّر بإهمال زراعات الساحل التي تسعّرها الجهات المختصة بما لا يسدّد الكلفة، فتّترك للأرض؟!!
ثمّة أمم وشعوب واجهت مثل مواجهتنا، وبعضها استطاع أن ينهض من تحت الركام بعمل إعجازي لا يقوم به إلاّ الصابرون المخلصون الشجعان، ولعلّ أبرز مثالين مهمّين وجديرين بالمتابعة هما ألمانيا واليابان بعد الحرب العالميّة الثانية، فقد نهضتا من خراب جرى تعميقه من قبل الأمريكان بشكل مقصود، فالقنبلة الذريّة التي أُلقيت، ألقوها رغم إعلان اليابان الاستسلام، وفي ألمانيا دُمّرتْ مدينة دريسدن تدميراً كاملاً بعد استسلامها، دُمّرت لاستدعاء الشركات الأمريكيّة لإعمارها، وللاستفادة، ولو على حساب كلّ القيم التي تتفاصح بها بعض مقولات الغربيّين الذين ينصاعون لرغبات الشركات العابرة للحدود،.. ذلك البنيان في ألمانيا واليابان أشرف على التخطيط له، وتنفيذ مشاريعه رجال أكفاء اقتصاديّاً، نظفاء اليد، وضعوا المصلحة العامة قبل كلّ مصلحة، فشكّلوا قدوة لمَن أتى بعدهم كي يُكمل البنيان، وثمّة مَن يرى ضرورة وجود القدوة، بل ويراه شرطاً أساساً للخروج من هذه المآزق المتتالية، وهذا مطلوب بإلحاح، لأنّ غالبيّة الناس لم تعد تشاهد إلاّ الذين أثروا بطرق غير مشروعة، ولا نعرف شيئاً عن كيفية صعودهم هذه السلالم، وبدعم مِن مَن؟!! ويترافق هذا مع تدمير للقيم الأخلاقية التي تشكّل شرطاً لأي نهوض، وتسيّد هذا حتى في أذهان مَن يتمنّون الخروج من هذا النّفق!.
aaalnaem@gmail.com