الاتفاق السعودي- الإيراني في الوقت المناسب
ريا خوري
تلقت الولايات المتحدة الأمريكية صفعة قوية بتوقيع الاتفاق السعودي- الإيراني برعاية صينية، فقد تزامن هذا الاتفاق مع حالة الأزمات الإقليمية والعالمية المحتشدة على وقع الحروب والتهديدات بالحديد والنار، والحصار الاقتصادي والمالي، وحبائل الغرب الأمريكي- الأوروبي الذي يسعى دائماً إلى النفخ في جمر العلاقات المتأزّمة بين الرياض وطهران، وصبّ الزيت على النار لتزيد من لهيب الخلافات.
أهداف ذلك الغرب الأوروبي– الأمريكي، ومعهما الكيان الصهيوني، معروفة ولا تخفى على أحد من متابعي مساعي الاستقطاب والتمحور في إطار الصراع القائم على مستوى العالم ككل، لكن من حسن الطالع أن قيادتي البلدين في المملكة السعودية وجمهورية إيران الإسلامية تدركان كلّ ذلك، كما تدركان أهمية بلديهما ودورهما الاستراتيجي في المنطقة، لذلك كانت قوة وخطوة الاتفاق تمثّل رداً على كلّ محاولات استثمار الخلافات بينهما لجرّ المنطقة إلى نزاعات وصراعات ليست في مصلحة أحد على الإطلاق، ولن تخدم إلا القوى الغربية الأوروبية- الأمريكية والصهيونية التي تؤجّج الحروب، وتنشر الكراهية في المنطقة.
إن المفاوضات الجادة بين البلدين، بمبادرة من الرئيس الصيني، مدة خمسة أيام متتالية، انتهت بالاتفاق على استئناف العلاقات الدبلوماسية، وإعادة فتح السفارتين والممثليات خلال مدة أقصاها شهرين، وتمّ التأكيد على احترام سيادة الدول، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وبذل كافة الجهود لتعزيز السلم والأمن الإقليميين والدوليين، وتفعيل اتفاقيّتي التعاون الأمني بكل تفاصيلهما، والاتفاقية العامة للتعاون في مجال الاقتصاد والتجارة والاستثمار والتحويلات المالية، والتأكيد على توثيق العلاقات الثقافية والعلمية والرياضية والشباب.
يشكّل هذا الاتفاق النوعي نهايةً لسبع سنوات من الخلافات، وكان له صدى إيجابي واسع في العديد من دول العالم التي تحترم وتقدّر طبيعة العلاقات الدولية الإيجابية وتحترم سيادة الدول والشعوب، في المقابل كان له صدى سلبي عند العديد من دول الغرب الأمريكي- الأوروبي الذين اعتبروه، بمثابة الصدمة السياسية العالمية، ونصراً ساحقاً لجمهورية الصين الشعبية، وانحساراً لدور الولايات المتحدة في الشرق الأوسط كقطبٍ أوحد في العالم. وقد عبّر العديد من القادة عن ثقتهم بإعادة العلاقات بين السعودية وإيران على أنها خطوة مهمة للمنطقة نحو الاستقرار والازدهار وتحقيق تطلعات شعوب المنطقة.
لذلك فإن ضمان تنفيذ الاتفاق يقع على عاتق البلدين بالدرجة الأولى، فهما أصحابه بالدرجة الأولى، وهما من سعيا إليه عن قناعةٍ تامة من خلال مفاوضات سابقة رعاها القادة العراقيون، لأنهما بحاجة ماسة وضرورية إلى اتفاق يعالج جروح الماضي، ويوقف نزيف الطاقات وهدر الإمكانيات، ويفتح آفاق التعاون بين البلدين على قاعدة المصالح المشتركة والاحترام المتبادل. ولأن الاتفاق تمّ برعاية الصين، فهي تشكّل أيضاً ضمانةً إضافيةً للالتزام ببنوده، وهي دولة عظمى تتمتّع بحضور دولي وعالمي كبيرين، وتحظى باحترام وتقدير البلدين، ويلتزمان التعاون معها في مختلف المجالات من أجل مصالح البلدين والشعبين.
يُحسب لجمهورية الصين الشعبية أنها حقّقت هذا الإنجاز السياسي المهمّ، تأكيداً لدورها الأساسي والمحوري كقوة عظمى في العالم تعمل من أجل السلام والأمن والأمان والاستقرار، وخاصة بين دول ترتبط معها بعلاقات صداقة ومصالح مشتركة منذ أمدٍ بعيد.