ثقافةصحيفة البعث

فريد الأطرش.. ملك العود وموسيقار عالمي

أمينة عباس 

لم يكن الاحتفاء بالموسيقار فريد الأطرش ضمن أمسية فنية أقامها المنتدى الاجتماعي مؤخراً إلا استمراراً لأمسيات سبق وأن خصّصها للحديث عن عباقرة الفن، أمثال بليغ حمدي ومحمد عبد الوهاب. وتؤكد د. حنان العاصي أمينة سر المنتدى أن هذه الأمسيات ستستمر بمشاركة الباحث الموسيقي عثمان الحناوي والمؤلف الموسيقي إيهاب المرادني لتسليط الضوء على عباقرة الزمن الجميل بهدف تعريف الأجيال الجديدة بما قدموه من فن أصيل، ورأت أن هؤلاء العباقرة وإن رحلوا إلا أن أعمالهم العظيمة مازالت باقية تؤثر فينا، ومنهم الموسيقار فريد الأطرش الذي لُقّب بـ”ملك العود” و”موسيقار الأزمان” و”عبقري الموسيقا الشرقية” وعُدّ أحد كبار العصر الموسيقي الذهبي كمطرب وملحن وعازف لآلة العود، في حين أسف عثمان الحناوي وهو الذي التقى بعدد كبير من هؤلاء العمالقة وكان على صلة وثيقة بهم لأن الظروف حالت دون لقائه بفريد الأطرش، ولكنه مع ذلك يملك في جعبته الكثير من المعلومات والقصص عنه من خلال من عاصروه، كما يمتلك في مكتبته تسجيلات نادرة له كانت إحداها مفاجأة الأمسية حين استمع الجمهور إلى فريد الأطرش وهو يغني أغنية “ست الحبايب” للمطربة فايزة أحمد، إضافة إلى بعض اللقاءات التي كانت قد أجريت معه.

أمير ابن أمير 

بدأ الحناوي حديثه بالعودة إلى جذور الأطرش الذي ولد عام 1917 في عائلة من الأمراء والمناضلين في جبل العرب عُرفوا بمقاومتهم للاحتلال الفرنسي الذي بسببه وخوفاً من بطشه اضطرت والدته علية المنذر إلى تهريب عائلتها إلى القاهرة بمساعدة سعد زغلول، فعاش الأطرش فيها مع والدته وشقيقه فؤاد وأخته أسمهان بعد أن انقطعت أخبار والده المناضل في الجبل، فعاش على الرغم من أنه كان أميراً ابن أمير حياة قاسية وعمل في سن مبكرة في العديد من الأعمال، وفي المدرسة التي التحق بها في القاهرة برزت موهبة الغناء لديه، وهي موهبة ورثها عن والدته التي كانت تتمتع بصوت جميل.

غنّى فريد الأطرش أغنية وطنية في حفل أقامه زكي باشا نالت إعجاب الحضور، وفيها تعرّف على الفنانة بديعة مصابني التي كانت تملك مسرحاً وفرقة ضمته إليها كعازف عود أولاً، لينجح فيما بعد بإقناعها أن يغني بمفرده، فلفت الأنظار وساعده الملحن مدحت عاصم في حجز مكان له في الإذاعة كعازف للعود، ومن ثم كمطرب، فقام بتسجيل أولى أغنياته “يا ريتني طير” و”أحب من غير أمل” فذاع صيته كمطرب وملحن، وهو الذي غنى من كلمات أشهر شعراء عصره: أحمد رامي، أحمد شفيق كامل، الأخطل الصغير، بيرم التونسي، توفيق بركات، أبو السعود الإبياري، كامل الشناوي، مدحت عاصم.

الملحن 

وأوضح الحناوي أن الأطرش قدّم الألحان الكلاسيكية الشرقية الطويلة: “الربيع، أول همسة، حكاية غرامي، نجوم الليل، حبيب العمر، عدت يا يوم مولدي، بقى عايز تنساني”.. وغيرها، كما لحن لعدد كبير من الفنانين والفنانات العرب: أسمهان، سميرة توفيق، شادية، فايزة أحمد، صباح، مها صبري، نادية جمال، دلال الشمالي، وديع الصافي، عصام رجي، وردة الجزائرية، محرم فؤاد. وقد ذكر الأطرش في أحد حواراته التلفزيونية، وهو من التسجيلات التي يملكها الحناوي وقام بعرضها أمام الجمهور، أنه حاول أكثر من مرة أن يلحن لأم كلثوم وكان قد قدّم لها العديد من الألحان التي كانت توافق عليها إلا أن الأمور كانت تبوء بالفشل في اللحظات الأخيرة لسبب لا يعرفه. ونوّه الحناوي بأن الأطرش في ألحانه للآخرين كان يراعي أسلوبهم الخاص وقدراتهم الصوتية في الأداء مع منحها أسلوباً فريداً كان يتميّز به، لذلك كان باستطاعة أي متذوق للموسيقا أن يميّز أعماله من غيرها بسهولة نظراً لوضوح بصماته وتفرد أسلوبه.

ملك العود وموسيقي عالمي

ورأى الحناوي أن الإضافة الحقيقية التي سجلها الأطرش في مجال عزفه على العود أنه استطاع أن يجعل هذه الآلة سيدة حفلاته على المسرح، وكان صاحب أسلوب متفرد غير تقليدي في العزف لم يسبقه إليه أحد، كما استطاع أن يخرج من العود إمكانيات لم تكن مكتشفة حين عزف عليه معزوفة أستورياس للمؤلف الموسيقي الإسباني إزاك ألبينيز، وحين استخدم كملحن ملامح من السيمفونية الرابعة لتشايكوفسكي في أوبريت “فارس الأحلام” في فيلم “لحن الخلود”، مؤكداً أن الأطرش حالة فنية خاصة عبقرية نجحت في الانطلاق إلى العالمية من خلال مجموعة من مقطوعاته الموسيقية التي لفتت انتباه الموسيقيين الغربيين، ومن هذه المقطوعات قصيدة “يا زهرة في خيالي” التي جابت شهرتها الآفاق وعزفتها الأوركسترات العالمية في أكثر من مكان، وكان من أوائل الملحنين بعد محمد عبد الوهاب الذين ألفوا المقطوعات الموسيقية التي ذاعت شهرتها عربياً وعالمياً، واهتموا بالمقدمات الموسيقية التي عزفتها الأوركسترا فوقف فيها جنباً إلى جنب مع موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب والعبقري رياض السنباطي.

مثّل ولم يمثّل 

وأفرد عثمان الحناوي جزءاً كبيراً من حديثه لمشاركة فريد الأطرش في السينما كممثل، مبيناً أنه دخل عالم السينما في الأربعينيات، ويُعتبر فيلم “انتصار الشباب” عام 1941 الذي جمعه مع أسمهان أولى مشاركاته السينمائية، وفيه قدّم أجمل الألحان لها، وقد أحدث من خلاله انقلاباً في السينما المصرية عبر الاستعراضات الكبيرة فيه، وقام خلال الفترة من 1941 حتى 1974 ببطولة 31 فيلماً سينمائياً، أبرزها فيلم “حبيب العمر” الذي حقق أرباحاً طائلة، في حين اشترك مع الفنانة فاتن حمامة في ثلاثة أفلام هي “لحن الخلود” عام ١٩٥٢ و”حكاية العمر كله” عام ١٩٦٥ و”الحب الكبير” عام ١٩٦٨ ومع ماجدة في “لحن الخلود”، في حين خاض تجربة التأليف عبر فيلم “قصة حبي” عام 1955 الذي تولى إنتاجه إلى جانب أفلام أخرى هي “حبيب العمر” و”الخروج من الجنة”. وأوضح الحناوي أن قدرة الأطرش التمثيلية كانت كبيرة لا يمكن توقّعها من مطرب، وقياساً مع محمد عبد الوهاب كانت أدواره بمستوى جيد جداً، وقد بيّن فريد الأطرش في حوار قام بعرضه الحناوي أنه لم يمثل في أفلامه وإنما كان على طبيعته كما في الحياة، وهو لو أنه لم يفعل ذلك لربما فشل.

التلميذ الذي تفوق على أستاذه 

وأشار إيهاب المرادني إلى أن فريد الأطرش تعلّم عزف العود على يد رياض السنباطي ولكنه نجح في أن تكون له بصمته، فكان التلميذ الذي تفوق على أستاذه بتكنيكه العالي، وهذا ما اعترف به السنباطي نفسه، فمنح لقب “ملك العود” وقد تمّ اختياره عام 1962 كأحسن عازف عليه في العالم، وكملحن كان فريد الأطرش كما أوضح المرادني كريماً بلا حدود، يعطي ألحانه لمن يطلب حتى ولو كان يقوم بتجهيزها لنفسه، كما فعل مع كثيرين ومنهم سعاد محمد في أغنية “بقى عايز تنساني” والتي سبق وأن قام بغنائها، مشيراً إلى أنه غنى ولحن كل الألوان الغنائية كالطقطوقة والمونولوغ والأغنية الكوميدية والدينية والأوبريت والموال والقصيدة، بالإضافة إلى الألوان الغربية مثل الفالس والتانغو والرومبا.