الاستفزاز الأمريكي في بحر الصين ليس نزهة
ريا خوري
لم تتوقف الولايات المتحدة الأمريكية عن استفزازها للصين وفرضها الحصار عليها من جهة حدودها الشرقية، حيث تايوان التي أصبحت أشبه بخنجر في خاصرة الإمبراطورية العائدة، واليابان العدو القديم الجديد الذي بدأ يغيِّر استراتيجيته الأمنية والعسكرية، ويعيد تسليح جيشه تحضيراً لأيّ عملية عسكرية قادمة في المنطقة.
لقد وصلت حدّة النزاعات بين البلدين إلى مستويات غير مسبوقة، ولهذا يمكن لأية حالة حرب أن تحفل بتبعات غير محمودة، خاصةً وأن الكونغرس الأمريكي والرئيس جو بايدن أقرَّا، في الآونة الأخيرة، تزويد تايوان بالسلاح من خلال صفقة عقدها مع القادة التايوانيين. هذا الأمر اعتبرته الصين إعلان حرب أمريكية عليها، لأنّ الصين تعتبر تايوان جزءاً لا يتجزأ منها وستعود يوماً إلى حضن الوطن.
تلك الصفقة تتشابه مع التجرية الأوكرانية، حيث يتمّ استنساخها في البحر الأصفر والتي بلغت نحو ستمائة وتسعة عشر مليون دولار أمريكي، وهي قيمة صفقة السلاح التي قالت عنها الولايات المتحدة إنها خطوة لتلافي الخطأ الذي وقعوا فيه في أوكرانيا، وكان الأمريكيون قد فسَّروا هذا القرار بأنّ تسليح الجيش التايواني هو استعداد مبكّر لأيّ حرب محتملة في المنطقة وبحر الصين الجنوبي، حيث إن تجهيز تايوان بأسلحة ذكية ودفاعات جويّة، وبمقاتلات عسكرية متطوّرة من طراز (إف 16)، هو خطوة استباقية، من شأنها تمكين تايوان من وسائل الدفاع والحماية الذاتية.
الثابت أن صفقة الأسلحة الأخيرة بين الولايات المتحدة وتايوان، وعزم رئيسة تايوان تساي إنغ ون زيارة الولايات المتحدة للقاء رئيس مجلس النواب، كيفن ماكارثي، في ولاية كاليفورنيا بدلاً من العاصمة التايوانية تايبيه، هي مؤشرات على أن التصعيد بين الصين والولايات المتحدة يسير في اتجاه المواجهة السريعة، وهذا يتوافق بشكلٍ أو بآخر مع استراتيجية الأمن القومي الأمريكي التي وضعت الصين ضمن إطار ما بات يُعرف بالتحدي السريع لوزارة الدفاع الأمريكية. كما تتناسب هذه الخطوات مع تنبيهَين صدرا عن قياديين عسكريين أمريكيين يعملان في البحر الأصفر، أي في بحر الصين الجنوبي حيث المواجهة المرتقبة:
- التصريح الأول صدر في شهر كانون الثاني الماضي، عندما أرسل الجنرال في القوات الجوية الأمريكية برتبة أربع نجوم مايك مينيهان -وهو الذي أكّد أن الحرب مع الصين ستبدأ في العام 2025- مذكرة رسمية إلى قيادة النقل الجوي الضخمة التي تضمّ أكثر من خمسمائة حربية وخمسين ألف جندي، يأمرهم فيها بشكلٍ عملي بتكثيف تدريبهم للحرب ضد الصين.
- أما التصريح الثاني فقد صدر في شهر آذار الماضي، عندما حذّر الأدميرال فيليب ديفيدسون، قائد منطقة قيادة المحيطين الهادئ والهندي، الكونغرس الأمريكي من أن الصين تخطّط لغزو الجزيرة بحلول عام 2027، واستعادتها وإعادة ضمّها إليها، وهذا جزء مهمّ من طموحاتهم، وأعتقد أن التهديد الصيني سيتجلّى خلال العقد الجاري، بل في حقيقة الأمر، خلال الست سنوات المقبلة.
لم يكترث الكثير لتلك الأقوال، معتبرين أنها محض هراء، ولكنه في الواقع محاولة لجرّ كلّ شعوب العالم نحو مواجهة عسكرية مدمّرة تكون فيها نهاية العالم، كما يتنبّأ بذلك مخططو وراسمو السياسات الاستراتيجية في الولايات المتحدة. وممّا يزيد من خطورة هذه الحالة هو تصريحات القيادات العليا في البلدين اللذين لا يخفيان حتمية المواجهة العسكرية والصراع الساخن على خلفية القضية التايوانية، فالرئيس الأمريكي جو بايدن تحدث في عدّة مناسبات، عن أنّه سيتدخل عسكريّاً، إذا تدخلت القوات الصينية في شبه جزيرة تايوان، وبالمثل أيضاً فإن الصين تستعدّ لحرب محتملة مع الولايات المتحدة، وهي تعيد بناء قدراتها العسكرية بشكل تقني متطور وقويّ وسريع، وتعمل على ابتكار تقنيات متطوّرة جداً لا تملكها الولايات المتحدة، من بينها طائرات متطورة جداً من الجيل الخامس، فضلاً عن زيادة ميزانيتها العسكرية بمستويات غير مسبوقة لم تعرفها الصين من قبل، ما يجعل احتمالية المواجهة العسكرية قائمة من الواجهتين.
تدركُ الولايات المتحدة أن مواجهة الصين ليست نزهة أو أمراً عابراً، وتدرك أنّ أي مواجهة عسكرية مع الصين ستحسم، ليس مصير جزيرة تايوان فقط، بل مستقبل العالم أجمع.