في منعطف عالمي: الزيارة المهمة والضرورة
(التغيّرات الدولية تتطلب منا أن نضع تصورات مشتركة للمرحلة القادمة.. وموقفنا ينطلق من حاجة العالم اليوم الى إعادة التوازن إليه، وإلّا سيذهب العالم باتجاه الانفجار والدمار…)، هذا بعض من رؤية الرئيس بشار الأسد تجاه عالم اليوم، ومن حديث سيادته في القمة التي جمعته مع الرئيس بوتين في الكرملين. فقد جاءت زيارة السيد الرئيس الى موسكو في سياق توجّه عالمي شرقاً يفضي الى نزوع نحو الاستقرار والتعاون والأمن الإقليمي والدولي تتطلع إليه أغلب شعوب العالم، في وقت يئن فيه هذا العالم تحت وطأة مخاض حرب عالمية ثالثة تُضرم المركزية الغربية نارَها على موقد صهيوأمريكي لئيم وغادر بشكل مستدام يكاد اليأس من صلاحه يكون واقعاً مريراً. ففي الوقت الذي لا ترغب فيه روسيا والصين إلّا بضمانات أمنية إقليمية ودولية تتقلص جراءها سياسات الهيمنة والفتنة والتوتر والتفرّد، تسعى الإدارة الأمريكية وذيولها الى تقويض الأمن والاستقرار، ودفع العالم الى حافة حروب ضروس مستدامة ومتجددة الأشكال. ومع إعلان السعودية وإيران استجابتهما لمبادرة الرئيس الصيني بدعم وتوسيع العلاقات بينهما، وحل الخلافات من خلال الحوار والدبلوماسية القائمة على الروابط الأخوية، وبذل الجهود لتعزيز السلم والأمن الإقليميين والدوليين، فقال الرئيس الصيني: (إنها أنباء عظيمة في العالم المضطرب حاليا، وإنه لنهجنا)، وما واكب هذا الحدث المهم، من زيارة السيد الرئيس الى موسكو، يعلن رئيس الأركان الصهيوني (وجوب الاستعداد لحدث على جبهات عديدة في المنطقة تشمل إيران)، كما تعلن الإدارة الأمريكية مواصلتها الضغوط الجائرة، والعقوبات أحادية الجانب على سورية شعباً وحكومة، وكذلك على روسيا والصين وإيران. هذا المنعطف الإيجابي، في السياسة الإقليمية والدولية، والذي سيتسع مداه وسيجذب الى آفاقه الواعدة تطلعات مزيد من شعوب العالم، يقض مضاجع الصهاينة الذين يتجهون إلى انتحار ذاتي، والمحافظين الجدد في الإدارة الأمريكية ومضاجع أتباعهما وذيولهما في الغرب الأطلسي نظراً إلى تاريخهم الاستعماري البغيض القائم على سلب الشعوب حريتها وسيادتها واستقلالها ومواردها وقرارها أيضاً، إنه تاريخ بغيض يعملون على إحيائه وتغذيته بالدم والنار، ولا أحد ينسى (المعنى الأمريكي لإسرائيل) من حيث تشابه النشأة في مظاهرها الاستيطانية، والإبادية، والإحلالية، والاحتلالية. فالصورة الصهيوأمريكية كانت ولاتزال تستلهم تكوينها وتشكيلها من صورة مصاصي الدماء، وعنوانها: ما يحق لك لا يحق لغيرك، ومن ليس معنا فهو ضدنا، لكن أصل هذه الصورة آخذ في السير نحو التهشيم والتداعي لعوامل عديدة منها خارجية، ومنها داخلية إذ كثيراً ما نسمع أصواتاً عديدة حرّة في الغرب لمسؤولين (سابقين) حكوميين وبرلمانيين، مفكرين وإعلاميين.. تندد بسياسات حكوماتهم ورؤسائهم، وبغطرستها وبمخاطرها على شعوبهم وعلى شعوب العالم. نعم، تأتي زيارة السيد الرئيس الى موسكو أولاً في إطار تفعيل العلاقات الثنائية بأفق مستقبلي ومستدام (مهمة للمرحلة الجديدة والقادمة على كل المستويات) كما عبّر الرئيس الأسد، وهذا يتوافق مع ما عبّر عنه الكرملين من أن المباحثات ستركز على الوضع في سورية وآفاق التسوية الشاملة فيها وفي (محيطها)، ومن أن العمل سيكون ليس على تطوير العلاقات في المجالات السياسية والتجارية والاقتصادية، بل (الإنسانية) أيضاً، ولمحاربة الإرهاب الدولي. وإذا ادعت الإدارة الأمريكية -بأسى وقهر دفينين- أنها مع الجهود الدولية والإقليمية الداعمة للسلم والتعاون والأمن، فإن هذا الإعلان/الإدعاء مسبوق بـ: شرط ألا يتعارض هذا مع المضي في الاتفاقات الإبراهيمية (الجائرة). والحال على ما هي عليه، فلم يعد من الحق والواجب أن يبادر أشقاؤنا الى إنقاذ الإدارة الأمريكية، والكيان الصهيوني من مأزقيهما الطالعين والمتفاقمين. ولكن على الإدارة الأمريكية وعلى الغرب وإسرائيل الاعتراف بأن العالم يتغير ويدخل مرحلة جديدة مختلفة تماماً، وأن الهيمنة الغربية انتهت الى غير رجعة، بل وحتى أصدقاء واشنطن وحلفائها ينفضون عنها تدريجياً، لكي ينهض عالم ما بعد القطبية الأحادية الذي دشّنه صمود سورية قائداً وشعباً طوال السنوات الماضية، وشكلت قمة الرئيسين الأسد وبوتين محطة رئيسية من محطاته.