استرشادات لدول جنوب الكرة الأرضية
هيفاء علي
تثبت القوى الرئيسية الصاعدة وغير الغربية وجودها يوماً بعد يوم على المستوى الاقتصادي كما على المستوى السياسي، وتبدأ السيطرة على الكتلة الغربية بشكل تدريجي.
في نهاية عام 2022، تجاوز اتحاد “البريكس” الذي يضم البرازيل، وروسيا، والهند، والصين، وجنوب إفريقيا، نادي “مجموعة السبع” الكبار المكون من الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وكندا، وألمانيا، وفرنسا، وإيطاليا واليابان، وذلك من حيث الناتج المحلي الإجمالي المشترك.
وبحسب آخر التقارير الاقتصادية الصادرة عن المنصة الهندية ” ذا ايسترن ههيرالد”، فإن حصة “البريكس” في الاقتصاد العالمي تبلغ 31.5٪ مقابل 30.7٪ لمجموعة السبع. وعليه، تؤكد هذه الحقيقة التوقعات العديدة التي يرجع تاريخها إلى عدة سنوات وتوضح أن كتلة “البريكس” تزن الآن ما يقرب من ثلث الناتج المحلي الإجمالي العالمي. كما تقوم الدول الأعضاء في الكتلة بزيادة الإجراءات بهدف الحصول على الاستقلال الكامل عن الأدوات المالية الغربية وفق ما أشارت إليه “كونتيننتال أوبزرفر” مؤخراً.
ثمة تحليل آخر مثير للاهتمام من صحيفة “ميل اند غارديان” الأسبوعية الجنوب أفريقية، يطرح سؤالاً حول كيف يمكن لبلدان الجنوب العالمي أن تفلت من قبضة الدولار الأمريكي، حيث يشير إلى أنه منذ أن أصبح الدولار الأمريكي العملة الاحتياطية الدولية سمح للولايات المتحدة بالسيطرة على الأسواق المالية، وطباعة النقود بالشكل الذي تراه مناسباً، وقد أعطى هذا الواقع الولايات المتحدة قوة عالمية غير عادية. وإلى جانب هيكل البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، فإن هذا يعني أنه على الرغم من وجود ما يسمى بالدول الديمقراطية، إلا أنه في الواقع لا توجد دولة ديمقراطية.
ووفقاً لنفس التحليل، على مر السنين، قيل أن بناء عالم أكثر إنصافاً يتطلب إضفاء الطابع الديمقراطي على النظام المالي العالمي، أي سيتطلب الابتعاد عن الدولار باعتباره العملة الاحتياطية العالمية الرئيسية. في هذا السياق، يشير التحليل إلى أنه كانت هناك مقترحات لكسر قبضة الدولار، وكانت هذه المشاريع الهادفة إلى مكافحة هذه القبضة على اقتصادات دول الجنوب في صميم الدوافع الأمريكية لشن حروبها على العراق وليبيا لنهب ثرواتهما الطبيعية. واليوم، ظهرت محاولات جديدة للتحايل على شبه احتكار الدولار باعتباره العملة الرئيسية للتجارة الدولية، ومسألة التخلي عن الدولار اشتدت فجأة بسبب الصراع في أوكرانيا.
في أعقاب تجميد الغرب لأصول روسيا، وطردها من نظام “سويفت” المصرفي الدولي، استجابت موسكو للمطالبة بالدفع مقابل شحنات الغاز بعملتها الخاصة الروبل الروسي، وكان هذا دليلاً واضحاً على أن التجارة الدولية يمكن أن تتم دون الاعتماد على الدولار الأمريكي. ومع ذلك، فإن التطور السريع لإمكانيات التجارة الدولية دون وساطة الدولار يمثل لحظة مهمة لبلدان الجنوب العالمي، التي وجدت نفسها منذ فترة طويلة تعتبر دولاً تابعة للولايات المتحدة والغرب بشكل عام. ولكن أصبحت هذه العلاقات مع الغرب فجة جداً لدرجة ثبت أن احتياطيات الدولارات الأخرى الموجودة في البنك المركزي الأمريكي ليست آمنة، كما حدث مؤخراً في أفغانستان حيث خصصت واشنطن 9.5 مليار دولار من البنك المركزي لأفغانستان.
بشكل عام، يشير التحليل أيضاً إلى أن هذه عملية طويلة الأمد، حيث تسعى الولايات المتحدة إلى فرض العزلة الاقتصادية، ومعاقبة الدول التي تعتبرها تهديداً لسلطتها منذ الثورة الهايتية ضد العبودية في عام 1804 أو حتى خلال القرن العشرين لا سيما مع اغتيال وكالة المخابرات المركزية للرئيس التشيلي سلفادور أليندي.
أما بالنسبة للحرب الاقتصادية التي شنها الغرب ضد روسيا، بما في ذلك تجميد احتياطاتها المقومة بالدولار، فقد أثبت هذا بوضوح أنه كل من يعارض الولايات المتحدة لن يسلم من شرها، وينبغي أن يكون هذا بمثابة تنبيه عاجل للبلدان في جنوب الكرة الأرضية للشروع بشكل كامل في نظام مالي بديل لا يعتمد على الدولار الأمريكي. ويمكن لدول “البريكس” بالتأكيد إيجاد طريقة أفضل للعمل معاً لبناء نظام مالي لا يخضع لسيطرة الولايات المتحدة، حيث منعت الولايات المتحدة باستمرار محاولات تطوير قواعد جديدة وأكثر عدلاً للتجارة العالمية.
علاوة على ذلك، يجب على دول “البريكس” أيضاً تعزيز مؤسساتها، ومؤسسات بنك التنمية الجديد، بحيث تكون نقطة الارتكاز هذه هي التي تخلق وتدعم نظاماً بديلاً لبلدان الجنوب.
أخيراً يوضح التحليل الجنوب أفريقي أن النظام العالمي الذي بناه الغربيون – يُطلق عليه عادةً أحادية القطبية- يناسب بالفعل وصف الاستعمار الجديد، وأن هذا النظام لا يصلح لدول الجنوب، مع الإصرار على أن نظام الحوكمة العالمية الأكثر تعددية لا يتعلق فقط بالجانب الاقتصادي للمسألة، ولكن أيضاً بالجانب السياسي.