التصنيع العسكري الأمريكي إلى ما لا نهاية
عناية ناصر
ما هو حجم خطر نشوب حرب عالمية؟ إن الإجابة عن هذا السؤال تتجلّى من خلال إلقاء نظرة على المبلغ الإجمالي للإنفاق على الأسلحة الأمريكية في الوقت الحالي لإصدار حكم صحيح تقريباً، إذ تمتلك الولايات المتحدة أقوى صناعة عسكرية في العالم، مع القدرة على مدّ أذرعها العسكرية الطويلة إلى أي ركن من أركان العالم بسرعة، وغالباً ما تتطوع للعمل كشرطي العالم. وفي هذا الشأن، كانت إدارة بايدن قد أصدرت مؤخراً ميزانية للإنفاق العسكري الأمريكي في عام 2023 بلغت 842 مليار دولار، ووفقاً للاستراتيجية العسكرية الخارجية للولايات المتحدة، تعتبر الإجراءات الوقائية مبدأً بالنسبة لها.
يشير ارتفاع الإنفاق العسكري الأمريكي إلى ارتفاع مخاطر نشوب حرب في العالم، وفي هذا الإطار قالت وزيرة خارجية سنغافورة، فيفيان بالاكريشنان مؤخراً إن “زيادة الإنفاق العسكري العالمي تظهر أن العقود السبعة إلى الثمانية الأخيرة من عائد السلام بعد الحرب العالمية الثانية قد انتهت. ولمعرفة السبب وراء ذلك، يجب علينا أن نوضح أولاً من الذي يستفيد بشكل أكبر من الزيادة العالمية في الإنفاق العسكري، وخدمة لمصالح من يكون اختفاء عائد السلام”؟.
تجدر الإشارة إلى أنه سيتم إنفاق جزء كبير من ميزانية إدارة بايدن على تطوير أسلحة وتكنولوجيا عسكرية جديدة، وخاصة الأسلحة الهجومية والدقيقة للضربات الوقائية، لضمان القيادة الأمريكية المطلقة في مجال التسلح، وتلبية احتياجات التصدير. وسيتساءل الساذجون هنا عن سبب عدم قدرة حكومة الولايات المتحدة على تخصيص جزء من الأموال لتعزيز الاقتصاد بشكل مباشر أو تحسين سبل معيشة الأمريكيين. إن مثل هذا الأمر يتمّ تحديده من خلال الهيكل الاقتصادي والسياسي للولايات المتحدة، ومصالح المجمع الصناعي العسكري، بغضّ النظر عمن هو في البيت الأبيض، ومن غير المرجح أن يتغيّر مثل هذا الوضع.
وينظر إلى المجمع الصناعي العسكري على أنه جزء أساسي من صنع السياسة الأمريكية، وهو بمثابة “بقرة تدرّ أموالاً هائلة” للمشاريع والأعمال التجارية الكبيرة للإمبراطورية الأمريكية، حيث تملي الطريقة التي يعمل بها الاقتصاد الأمريكي وموقعه المهيمن أن صادرات الأسلحة هي قناة مهمة جداً تستفيد من خلالها الولايات المتحدة عالمياً.
وقالت وزارة الخارجية الأمريكية في كانون الثاني من العام الحالي إن أكثر من 40 في المائة من الأسلحة المصدّرة في العالم كانت من الولايات المتحدة، وارتفعت مبيعات المعدات العسكرية الأمريكية إلى الحكومات الأجنبية بنسبة 49 في المائة لتصل إلى 205.6 مليار دولار في السنة المالية الأخيرة. ولكي يتمّ بيع أسلحة أكثر وبأسعار أعلى، فإن الشروط المسبقة هي المزيد من التوترات حول العالم والمزيد من مخاطر الحرب، وبذلك سيكون هناك سوق متنامٍ ومتوسّع للأسلحة. وكلما ازدادت حدة النزاعات في العالم، ازداد سبب قيام الولايات المتحدة بتوسيع صادراتها من الأسلحة وزيادة انتشارها العسكري في جميع أنحاء العالم.
ووفقاً لـ”الكتاب السنوي لمعهد سيبري 2022: التسلح ونزع السلاح والأمن الدولي”، الذي نشره معهد استوكهولم الدولي لأبحاث السلام، غالباً ما تغذي سياسة وممارسات الأسلحة الأمريكية الحالية الحرب بدلاً من ردعها. فما يقرب من ثلثي النزاعات الحالية (34 من 46 نزاعاً) فإن طرفاً واحداً أو أكثر تم تسليحه من قبل الولايات المتحدة. ففي العام الماضي، أنفقت الدول الأوروبية أكثر بكثير على الأسلحة الأمريكية بسبب الحرب بين روسيا وأوكرانيا، ما سمح للمجمع الصناعي العسكري الأمريكي بتحقيق أرباح طائلة. فعلى سبيل المثال، تجاوزت مبيعات الأسلحة الأمريكية لجزيرة تايوان القيمة الإجمالية لشحنات الأسلحة الأمريكية 70 مليار دولار بحلول أيار 2022، الأمر الذي يعني من وجهة النظر العالمية مزيداً من مبيعات الأسلحة يقابله سلام أضعف. لكن بالنسبة للولايات المتحدة، يمكن أن تدرّ عائدات لا تُحصى. ويمكن أن يدفع البحث والتطوير للأسلحة المتطورة والدقيقة التصنيع الأمريكي إلى الإنفاق إلى ما لا نهاية، الأمر الذي يمكن في نهاية المطاف ضمان القوة العسكرية الأمريكية والهيمنة العالمية ذات التقنية العالية، وخاصة في الوقت الذي يكون فيه الاقتصاد الأمريكي على وشك الانهيار، وبذلك سيلعب الإنفاق العسكري دوراً أكثر أهمية.
يرى كبار المديرين في “وول ستريت” والبيت الأبيض فرصة لكسب المال من الصراعات العالمية، ويرى العالم الصراعات المتزايدة والمخاطر المتزايدة للحرب، فهل يمكن الحفاظ على “النظام” الذي صمّمته الولايات المتحدة بهذه الطريقة دون أي تغيير؟.