غزو العراق.. عشرون عاماً من الأكاذيب!
سمر سامي السمارة
اُتخمت القنوات الإخبارية، ووسائل التواصل الاجتماعي الغربية، بإداناتها للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وحتى عندما التقى وزير الخارجية أنطوني بلينكين وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، في نيودلهي، يوم 2 آذار الجاري، قال له بعبارات قاطعة لا لبس فيها: “أوقفوا حربكم على أوكرانيا”.
لكن بوتين، صاحب الذاكرة القوية، شجب بشدة الولايات المتحدة لغزوها غير الشرعي للعراق، وذلك أثناء الخطاب الذي أعلن فيه عن العملية العسكرية الروسية الخاصة بالقول: “لقد شاهدنا الأكاذيب التي تختلقها أعلى مستويات في الإدارة الأمريكية ويتمّ تمريرها من منبر الأمم المتحدة، وكانت النتيجة خسائر فادحة في الأرواح، وأضراراً، ودماراً للبنى التحتية، فضلاً عن تنامي دور الإرهاب”.
في 1 أيار 2003، جلس الرئيس جورج دبليو بوش في مقعد طيار مساعد لطائرة مقاتلة، وتم نقله إلى حاملة الطائرات “يو إس إس أبراهام لينكولن” التي رست قبالة سواحل سان دييغو، حيث لا يوجد سبب منطقي لهذه الرحلة الطويلة باهظة الثمن، باستثناء الصور المرئية التي يأمل فريق الدعاية في إنتاجها.
بعد ذلك، من على ظهر حاملة الطائرات العملاقة “أبراهام لينكولن”، تحت لافتة كُتب عليها “المهمة أنجزت”، ألقى خطاباً متلفزاً حول غزو العراق الذي كان قد أمر به قبل أقل من شهرين، معلناً بفخر أن “العمليات القتالية الكبرى في العراق قد انتهت، مضيفاً في معركة العراق، سادت الولايات المتحدة وحلفاؤنا”.
بالطبع، إن أياً من هذه التأكيدات لم تكن صحيحة، ففي الواقع، لا يزال نحو 2500 جندي أمريكي متمركزين في العراق حتى يومنا هذا، وأن تلك القوات بقيت على الرغم من طلب البرلمان العراقي مغادرتهم.
في الحقيقة، يستحق ما تبقى من خطاب بوش وصفه بأكثر من شائن، حيث أعلن بوقاحة قائلاً: “اليوم، لدينا قوة أكبر لتحرير أمة من خلال الإطاحة بنظامها الخطير والعدواني. وباستخدام التكتيكات الجديدة والأسلحة الدقيقة، يمكننا تحقيق أهداف عسكرية دون توجيه العنف ضد المدنيين”.
بطبيعة الحال، كان يتعيّن على بوش إلقاء مثل هذا الخطاب الذي أعلن فيه أن “المهمة أنجزت” وذلك لتبييض الحرب العدوانية كأداة روتينية لسياسة الإدارة الأمريكية.
في هذا الصدد، تنبغي الإشارة إلى أن عبارة واحدة غابت عن خطاب بوش النابليوني حول نشر “الديمقراطية” و”الحرية” بالقوة، مستخدماً عوضاً عنها عبارة “الحرب الدقيقة” وهي بطبيعة الحال مشمولة في “القانون الدولي”، فقد رأت محاكمات نورمبرغ بعد الحرب العالمية الثانية، المحكمة العسكرية الدولية أن: “الحرب هي في الأساس شيء شرير، وعواقبها لا تقتصر على الدول المتحاربة وحدها، بل تؤثر على العالم كله. لذلك فإن شنّ حرب عدوانية ليس جريمة دولية فحسب، إنها الجريمة الدولية العليا التي تختلف فقط عن غيرها من جرائم الحرب من حيث أنها تحتوي بحدّ ذاتها على شر متراكم على الجميع”.
وبالطبع ميثاق الأمم المتحدة يحظر العدوان العسكري، ولا يسمح بالحرب إلا للدفاع عن النفس أو إذا أجازها مجلس الأمن. لكن على ظهر حاملة الطائرات تلك، كان لدى بوش الجرأة ليقول: “عندما نظر المدنيون العراقيون إلى وجوه جنودنا ونسائنا، رأوا القوة واللطف والنوايا الحسنة”!.
لذا فلا عجب أن يدعم الرئيس بوش، ونائب الرئيس ديك تشيني، ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد، ومساعد وزير الدفاع بول وولفويتز، وغيرهم من المهندسين الرئيسيين واحدة من أكبر إخفاقات السياسة الخارجية الأمريكية طوال الـ246 عاماً من وجودها، والكذبة السخيفة التي تقول بأنهم اخترعوا نوعاً جديداً من الحرب لم تسفر عن وفيات أو إصابات كبيرة بين المدنيين.
من الواضح أنه على عكس تأكيدات بوش العلنية، فقد ازداد عدد الضحايا في العراق مع استمرار الحرب، حيث كانت الطائرات الأمريكية تقصف بشكل روتيني أهدافاً في المدن العراقية المكتظة بالسكان، كما ارتكبت القوات الأمريكية، ومرتزقة بلاك ووتر الذين يعملون لمصلحة الجيش الأمريكي مجازر بحق المدنيين في العراق.
قدّر مشروع تكاليف الحرب في جامعة “براون” أن نحو 300.000 عراقي لقوا حتفهم نتيجة لأعمال العنف المباشرة المرتبطة بالحرب التي تسبّبت بها الولايات المتحدة وحلفاؤها، فضلاً عن إصابة أضعاف هذا العدد.
وليس بوسع أحد حتى إدراك أعداد الأطفال الذين فقدوا أحد والديهم أو كليهما، مع الأخذ بعين الاعتبار، أن مثل هذه الأرقام لا تشمل العراقيين الذين لقوا حتفهم لأسباب غير مباشرة، ولكنها مرتبطة بالحرب مثل انهيار مرافق مياه الشرب والكهرباء بسبب غارات القصف الأمريكية، والأضرار التي لحقت بالبنية التحتية للبلاد.
في المرحلة الأولى من الحرب، خلال سنوات حكم بوش، نزح أربعة ملايين عراقي، منهم 1.5 مليون غادروا البلاد، والباقي اضطروا إلى النزوح داخلياً، ولم يعد بإمكان الكثيرين العودة إلى بيوتهم، وفي ظل الاحتلال الأمريكي، لم ينعم العراقيون بالأمان.
كانت حرب بوش الكارثية هدية لـ”داعش”، مهّدت الطريق للتنظيم للسيطرة على أكثر من 40٪ من أراضي ذلك البلد في عام 2014، وأدت لفرار ستة ملايين عراقي خوفاً من الجرائم التي يرتكبها التنظيم الإرهابي بحقهم.
واليوم، أصبحت خزينة الدولة العراقية فارغة، على الرغم من أنه كان ينبغي للبلاد أن تكسب 500 مليار دولار من عائدات النفط منذ عام 2003، وبحسب تقدير الاقتصاديين فإن تكلفة الحرب على العراق وصلت بالفعل إلى 6 تريليونات دولار.
في الآونة الأخيرة، وبعد الحرب الأوكرانية، أصبحت شعارات الإدارة الأمريكية مناصرة لـ”ميثاق الأمم المتحدة”، و”النظام الدولي القائم على القواعد”، وهو ما يتناقض بالطبع مع ما تراه واشنطن الآن على أنه خارج عن القانون الدولي الحقيقي على كوكب الأرض.
لقد تمّت معاملة الاقتصاد الروسي مثل الاقتصاد الإيراني الذي تعرض لعقوبات ومقاطعات قاسية، كما دعا قرار لمجلس الشيوخ برعاية السيناتور ليندسي غراهام، المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمة المسؤولين الروس بتهمة ارتكاب جرائم حرب.
جديرٌ بالتذكير أن غراهام كان أحد المشجعين الرئيسيين لحرب العراق غير الشرعية، لذلك يمكن القول إن النفاق بهذا الحجم ليس مثيراً للإعجاب بالنسبة لبلد لا يزال يسعى لأن يكون القوة العالمية على هذا الكوكب!.