السلام والتنمية الاقتصادية يهزمان الهيمنة
تقرير إخباري:
إذا ما تم تقييم دور الولايات المتحدة بعد انهيار حلف وارسو وتشكّل حالة تشبه انفراد “الناتو” بالسيطرة على السياسة الدولية، فإننا نلاحظ الآن حجم التدهور في هذه السيطرة التي سبق أن نجحت دون منازع في إشعال جميع أنواع الحروب والصراعات والخلافات بين الدول، لكنها في الوقت ذاته لم تنتصر في حرب وعلى أيّ طرف كان، ولم تحقّق أي عدل أو سلام عالمي ممّا تدّعيه، والشواهد كثيرة في أفغانستان والعراق وليبيا، وأخيراً وليس آخراً في أوكرانيا، فرأس مال واشنطن يكون عبر خلق العداوات وتسويق نفسها على أنها الحامي بعد منع أبناء الدول من صناعة أمنهم بأيديهم، فلم تمنع أيّ خطر أو اعتداء على من تدّعي حمايتهم بل تتبجح بأن الضربات لم تصبها ولا شأن لها بها، وكل ذلك يترافق مع سطوة على الاقتصاد العالمي ونهب لثروات شعوبه باسم شعارات الحرية والعدالة وغيرها.
إن حالة عدم العدل والعبث الاقتصادي دفعت العالم إلى الاصطفاف مجدّداً في محور آخر، والترحيب بعودة قوة كبيرة تقيم التوازن والعدل بين الدول باسم الاقتصاد لا العسكرة والإمبريالية، مركزه الصين وروسيا وإيران وسينجح في وقت قياسي بجلب أقطاب أخرى جديدة، كالهند التي أقرّت مؤخراً بأنها زادت التبادل التجاري مع روسيا بنسبة 400% منذ بداية الحرب الأوكرانية، ودول الخليج ودول أمريكا اللاتينية وإفريقيا والبرازيل وغيرها من الدول التي سئمت من الغطرسة الغربية.
كذلك فإن موسكو وبكين وطهران تزيد من قوة علاقاتها بشكل سريع ولافت يتناسب طرداً مع حجم الضغط والعداء الغربي ضدها، وأصبح ردّ الفعل المتكرّر على عقوبات الغرب هو توقيع المزيد من اتفاقيات التبادل المذيّلة بملاحق عسكرية، ومؤخراً اختتمت هذه الدول تدريباتٍ عسكرية بحرية في بحر العرب للدلالة على مدى قوّة تحالفها سياسياً واقتصادياً في هذه المنطقة الاستراتيجية للطاقة العالمية التي ستشهد تطوّراً مبهراً مع تفعيل مبادرة الحزام والطريق الصينية، كما شكّلت التدريبات رسالة واضحة لواشنطن التي طالما دأبت على الوجود في المضائق البحرية وعلى طريق حاملات النفط حول العالم للارتزاق من حركتها والسيطرة على قطاع الطاقة، والأهم من ذلك كله أنها أصبحت عاجزة الآن عن القيام بأي تحرّك مباغت ضدّ أي واحدة من هذه الدول لأنها لم تعُد تقوى على معاداتها مهما حاولت من وسائل أو أقحمت دولاً أخرى في استفزازات وصراعات بالوكالة عنها كاليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا وغيرها من الأذناب، الذين سينفضّون عنها قريباً عند إدراكهم مخاطر التصعيد غير العقلاني الذي تقوده تلك الإدارة، وخاصة بعد الضعف الذي أوصلها إليه الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن، الذي اعترف به سلفه دونالد ترامب متّهماً الحزب الديمقراطي بالسعي نحو إشعال حرب عالمية ثالثة.
كل ما سبق ذكره من إصرار غربي على التصعيد والاستفزاز، وما يقابله من تحوّل في سياسات الدول وإعادة تموضعها في خط مغاير، يؤكّد العجز الأمريكي عن فهم وقراءة الواقع السياسي الدولي، وما يقابله من تطوّر في وعي معظم الشعوب ومسارعتها نحو سلوك طريق خلاصها عبر تحالفات جيوسياسية ستصبّ في مصلحة السلم العالمي الذي طال غيابه.
بشار محي الدين المحمد