أجب عن سؤال تمنيته ولم يأتِ..!!
علي عبود
لا ندري ما نتائج التحقيق في الحادثة التي قرأنا بعض تفاصيلها، بتاريخ 22/ 1/ 2023، حول سؤال لأحد الدكاترة في قسم هندسة الطاقه بجامعة تشرين، وجاء فيه: “أكتب سؤالا كنت تتمنى أن يأتي في الامتحان ولم يأت، ثم أجب عنه”!!
ومهما كانت نتائج التحقيق، فإن ما لفتنا وأثار استغرابنا هو ردَّات الفعل اللامنطقية من قبل عدد من الأساتذة على مبادرة زميلهم في طرح سؤال غير مألوف، فبدلا أن يناقشوا ما حدث بموضوعية، اعتبروا أن مثل هذه الأسئلة لا معنى لها، ولا قيمة، ولا تسبّب إلا الإساءة لمستوى التعليم في الجامعات الحكومية السورية!!
وبمناسبة بدء امتحانات التعليم المفتوح، نسأل المعتادين على الأسئلة التقليدية: ما الضرر الذي يلحقه هذا النوع من الأسئلة بسمعة الجامعة؟
برأينا فإن الدكتور الذي طرح السؤال “الغريب” أراد أن يسبر إمكانيات الطلاب العلمية من جهة، وإلى أي مدى كانوا جادين في التحضير للامتحان من جهة أخرى، والأهم الوقوف على قدرتهم بالإجابة على سؤال تمنّوا أن يأتيهم في الامتحان!
ليس مهماً ردة فعل الأساتذة التقليديين، وإنما الأكثر أهمية ردة فعل رئاسة جامعة تشرين، بل وردة فعل وزارة التعليم العالي، فبدلا من اتخاذ الإجراءات القانونية وفق قانون تنظيم الجامعات واللائحات التنفيذية بحق الدكتور الجامعي المخالف للأعراف الامتحانية السائدة، يجب مناقشته عن السبب الفعلي لطرح سؤال مفاجئ وغير متوقع على الطلاب، والملفت أن وزارة التعليم لم تُعلن عن رأيها بالحادثة حتى الآن، فلماذا؟
على كل ليست المرة الأولى التي تتعرض فيه جامعاتنا لهذا النوع “اللامألوف” من الأسئلة، ففي امتحانات كلية “الهمك” في جامعة دمشق عام 2018، طرح الدكتور معاذ الخياط أستاذ مادة (التنظيم الصناعي) على الطلاب في امتحانات أيلول السؤال التالي: “أجب عن سؤال من المقرر.. تمنيته ولم يأتِ”، وقد قال الدكتور خياط في تصريح لجريدة “البعث” حينها أن الطلاب تفاجؤوا بالسؤال ومعظمهم لم يجاوب عليه!
وقد تعرّض الدكتور الخياط أيضا لمعارضة من زملائه ومن رئاسة الجامعة، بدلا من دراسة الأسباب التي جعلت الطلاب مترددين وحائرين وغير متجاوبين بالإجابة على سؤال لا شك كانوا يتمنون أن يأتيهم في الامتحان!.
وما فات المعترضين أن الإجابة على هذا النمط من الأسئلة لا يعني ضمان النجاح للطلبة 100%، فسؤال الدكتور الخياط كان يمنح 10 علامات فقط، وهذا السؤال منصف للطلاب، بمعنى من العدالة أن يحصلوا على نسبة من العلامات لقاء الأجزاء التي درسوها جيدا من المقرر!
نأتي الآن إلى السؤال الأكثر أهمية: هل طرح سؤال على الطلاب من قبيل: “أجب عن سؤال من المقرر.. تمنيته ولم يأتِ”، أي سؤال جديد وغير مسبوق في الجامعات؟
حسنا، سأروي تجربتي في كلية العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية…
كانت مقررات الامتحانات في العلوم السياسية تحريرية وشفوية، وكان الطلاب يدخلون إلى غرفة الامتحانات الشفوية، وهم يعرفون مسبقا الآلية المتبعة، فقد كان يتواجد في الغرفة أستاذان: الأول المحاضر الأصيل للطلاب، والأخر محاضر للمادة، ولكن في كلية أخرى، كان الطالب يدخل إلى الغرفة ويسحب ورقة السؤال من كرة زجاجية على الطاولة، ويقوم بتحضير الإجابة ريثما يفرغ زميله الآخر من الامتحان الشفوي، وعندما يأتي دوره كان الأستاذ الأصيل يسأل الطالب: هل تعرف الإجابة؟
إذا كان يعرفها فإن علاماته ستحسب وفق إجابته من 100%، وفي حال أجاب بالنفي، أي أنه لا يعرف الإجابة، فإن الدكتور يقول له : أختر السؤال الذي تعرف الإجابة عليه، وفي هذه الحالة فإن علامته تحسب من 50% فقط، وبالتالي يضمن الطالب علامة حسب مذاكرته، أي لا يضيع جهده وينال صفرا أو علامة متدنية جدا!
وكان هذا الأمر، أي: “أجب عن سؤال من المقرر.. تمنيته ولم يأتِ”، شائعا في كلية العلوم السياسية في القرن الماضي، ولا ندري إن كان لا يزال متبعا حتى الآن.
الخلاصة: من الضروري الخروج عن المألوف في الامتحانات من قبيل “أجب عن سؤال من المقرر.. تمنيته ولم يأتِ” مقابل ضمان نسبة ولو كانت 10 علامات فقط، فهي تمنح الثقة للطلاب بأن الجزء الذي درسوه جيدا في المقرر سينالون عليه علامة مهما كان مقدارها، وهذا لا يشوّه سمعة الجامعات، فأستاذ المادة هو الأقدر على قياس مقدرات الطلاب وفق إمكاناتهم ولو بأسئلة غير مألوفة وغير تقليدية!