ثقافةصحيفة البعث

الوعاء الشكلي.. والوعي الجمعي

رائد خليل 

يعدّ الشكل من أهم عوامل نجاح العمل الفني، وحديثنا يتعلق بالوعاء الفني الحامل للفكرة التي تخرج من حيز العقل إلى ريشة الفنان.
وهنا، تشكّل الخطوط والإيحاءات والدلالات الحسيّة على الورق واحة بصرية تلعب فيها الحركة دوراً بارزاً في تجسيد الفكرة، وتأتي الحركة المجسدة بقوة الخطوط وتماسكها لتجذب القارئ وتلفت نظره إلى الرسم قبل الفكرة على نحو يجعل الرسم الكاريكاتوري أكثر جاذبية وتبايناً، وهو أمر يمنح الرسام مساحة حرية أكبر في تنويع الخطوط المبالغ فيها رغم المساحة المحددة.
ونجاح اللوحة الفنية يتطلب دراسة إخراجية حقيقية إن صحّت التسمية، فالمتابع لأعمال بعض الرسامين يجد هذا الانسجام والتكامل ما بين الشكل والفكرة في توظيف الأدوات والتوزيع الأكاديمي لمفردات العمل الفني، وأعتقد أن توزيع العناصر في الرسم الكاريكاتوري لا يختلف كثيراً عن توزيعها في المشهد الدرامي، وهذه قضية جوهرية في جمالية المشهد وتأثيره النفسي والروحي على المتلقي، وتخدم الغرض في إيصال المضمون المتأصل مع الحدث.
ولابد من التنبيه أيضاً إلى قضية الانفعالات المرافقة للحركة والتكوين لتحقيق معادلة النجاح المرتبطة بالشكل والمضمون. وذكر “صلاح زينل” في صحيفة “الصباح” العراقية بتاريخ 3/ 6/ 2007 أنّ كبار مصوري الأفلام العالميين يؤكدون قيمة الشكل في اختيار المنظر بأبهى صورة، ويرى أن العديد من الفنانين وخاصة بعض رسامي الكاريكاتور لا يهتمون كثيراً بالشكل – شكل اللوحة الفنية بنيوياً – الذي يشدّ المشاهد نحو هذا النتاج الفني من أول وهلة. وبهذا، فإن الفنان ـ وربما لاهتمامه الكبير بالفكرة ـ ينسى أو يتناسى أن للمشاهد كل الحق في أن يرى رسماً جميلاً يحتوي فكرة أجمل.

واستشهدَ بقول الفنان العراقي الراحل حافظ الدروبي: لا فرق عندي بين الصورة الفوتوغرافية واللوحة الفنية إلا بقدر ما تشدني إليها، أي أن قوة الشدّ واستلاب النظر من المشاهد هي القيمة الفنية التي يبحث عنها الفنان التشكيلي سواء أكان هذا الفنان مصوراً فوتوغرافياً أم مصوراً يدوياً “رساماً”..
وستبدأ الإنسانية بالتحسن عندما نأخذ الفن على محمل الجد كما الفيزياء أو الكيمياء أو المال.. وهذا بحسب إرنست ليفي.. وأخيراً، يبقى الوعاء الفني حالة روحية خالصة، وتنطبق عليها النظرية الفلسفية القائلة: التأمل أولاً، ثم التعرف، ومن ثم الفهم.