د. نذير العظمة.. شخصية وطنية بامتياز
أمينة عباس
أعاد المركز الثقافي العربي في كفرسوسة أنشطته الثقافية بعد توقفها بسبب كارثة الزلزال من خلال عقد ندوة تكريمية لروح الراحل الأديب د. نذير العظمة الذي رحل عن عالمنا مؤخراً.
وشارك في الندوة، التي حملت عنوان “د. نذير العظمة أديباً وأباً وإنساناً”، د. راتب سكر وابنتَي الراحل إسراء وسيدرة العظمة التي أرسلت رسالة إلى الندوة قرأتها د. ريما العلي من قسم اللغة الفرنسية بيّنت فيها أن والدها شاعر ومحارب ولا يمكن وصفه بالكلمات، وقد ترك في حياتها أثراً لا يمحى ولا ينسى، وأن مكانه الفارغ لن يملأه أحد من بعده كأب وصديق ومعلم وقدوة: “لا يعرف قيمة الأب إلا من فقده.. كلماته باقيه في ذهني.. أستذكر القصص والمواقف والشعر وجلساته الطويلة للحوار.. لم يكن إنساناً بسيطاً بشخصية عادية.. هو البطل والقصة والقصيدة والمسرحية، وهو العبرة والأب”.
ابنته إسراء أشارت في حديثها عن والدها إلى مناقبه كأبٍ حرص على تعليم بناته وزجّهن في العمل منذ الصغر، وكيف كان أباً ديمقراطياً يأخذ آراءهن في كل خطوة تخص العائلة، مبينة أنه كان لطيف المعشر، لا يتدخل بشؤون البيت، يغنّي، يرقص، يُلقي الشعر ويتعامل مع الجميع بتواضع رغم ثقافته الكبيرة وقدرته على استقطاب الناس بحديثه ولطفه، وكان أسفها الوحيد أنه لم يدرس في جامعة دمشق وهو الذي درس في جامعات عالمية وعربية ظل طلابُها يتواصلون معه دائماً، مشيرة إلى أنه يملك مكتبة كبيرة تضم مختلف أنواع الكتب، وهذه المكتبة ستحرص ابنتاه على المحافظة عليها.
عضو مؤسس في جماعة “شعر”
وأشار د. سكر في حديثه عن الراحل إلى أنه نشر في الصحف قصائده الأولى في أواخر الأربعينيات، ونشر كتابه الأول “عتابا” عام 1952 وهو طالب جامعيّ، حتى إذا تخرّج من جامعة دمشق في العام 1954 قدّم مشروع التخرج بإشراف الأكاديمي د. شكري فيصل، متضمناً دراسة عن مجموعة “غابة الكارفور” القصصية للأديب المعروف سعيد تقي الدين الذي سيغدو من أصدقائه الحميمين على مدارج الحياة، فكان اسمه حاضراً في الحراك الإبداعي المجدد لشعراء النصف الثاني من الخمسينيات، وقد صدرت في بيروت مجموعاته الشعرية “جرّحوا حتى القمر” 1955، و”اللحم والسنابل” 1957، و”غداً تقولين كان” 1959، والذي قدّم لها الأديب سعيد تقي الدين، و”أطفال في المنفى” عام 1961، ودراسته “عدي بن زيد العبادي” 1960.
وبيّن سكر أن الراحل ذاق في بيروت مجدَ العمل الأدبي عضواً مؤسساً في جماعة مجلة “شعر” التي كتب عن تجربتها بقلمه، وتعمقت صداقاته مع يوسف الخال وخليل حاوي وأدونيس وفؤاد رفقة، وغيرهم من شعراء مجلة “شعر” الذين شكلت بياناتهم النقدية وقصائدهم تياراً أدبياً تجديدياً، موضحاً سكر أن كل كتابات العظمة الشعرية والمسرحية والنقدية اتسمت بحضور واضح للرموز التاريخية والأدبية والأسطورية كاستلهامه شخصية امرؤ القيس وسيرته في مسرحيته “دروع امرؤ القيس” أو حضور رموز السندباد والبحّار القديم والرخ والألبتروس والنسر التي تتبع تحليلها الأدبي بدقة علمية، مقارناً بين “ألف ليلة وليلة” وأعمال كوليردج وبودلير وعمر أبو ريشة، مؤكداً سكر أنه ثمة دفء خاص يحتضن صور استلهام ما يمور به تاريخ الشرق أيضاً ولاسيما التاريخ السوري القديم من ثقافات نابضة بالتوق إلى الانبعاث ومواجهة الفناء بالحب والصداقة والخصب والحياة، فما أصدره من مؤلفات مثل ديوانه “نواقيس تموز” ومسرحيته “أوروك تبحث عن جلجامش”، وروايته “الشيخ ومغارة الدم” يعيد حواراً ثقافياً خلّاقاً مع رموز ثرية الدلالات في ذلك التاريخ وما يعتمل فيه من إرث أدبي وثقافي واسع، منوهاً سكر كذلك إلى موقع أثر جبران خليل جبران من نفس الراحل في علاقتها بالفكر الصوفي وتأثيره العميق في شخصيته وأدبه، وهو الذي أصدر كتاباً عنه بعنوان “جبران في ضوء المؤثرات الأجنبية” عام 1987 في دمشق، مبيناً سكر أنه من الراجح أن الحاضن الثقافي الدافئ لحواره الخلّاق مع الثقافات متصل باعتقاد بوحدة الوجود وجوهره المطلق ذي الوشائج مع الفكر الصوفي الذي كان محل اهتمامه في غير مؤلف من مؤلفاته مثل كتابه “المعراج والرمز الصوفي”.
وختم سكر كلامه بالتأكيد على أن مسيرة الراحل غنية وطويلة، ومن الصعب تلخيصها في ندوة واحدة إلا أن ما يميز كتاباته الشعرية والمسرحية والروائية والنقدية أنها جبلت من حب وكرامة، وهذا ما يجعله شخصية وطنية بامتياز وهو الذي تيسّرت له في أميركا سبل متابعة الدراسات العليا، فحاز شهادة الدكتوراه في الآداب وغدا مدرساً للأدب الحديث والمقارن في جامعة بورتلاند، ومحاضراً في أدب التصوف والثقافة الإسلامية، ومن ثم أستاذاً جامعياً في جامعة الملك سعود في الرياض.