“الرّمد قد يتحوّل إلى عمى”.. سوء “تدعيم” الأبنية المتضرّرة ينذر بكارثة أكبر!
دمشق- مادلين جليس
بحسب بيانات وزارة الإدارة المحلية، فقد بلغ عدد الأبنية التي تحتاج للتدعيم 43993 بناء من أصل 112418 مبنى، تمّ الكشف عليها من قبل لجان الكشف الحسيّ في المحافظات التي تضرّرت نتيجة كارثة الزلزال، ولعلنا لا نبالغ إذا قلنا إن التدعيم أصبح “بارقة الأمل” الوحيدة أمام من لم ينهر منزله، ولم يتجاوز الضرر عنده تصدّعات في الجدران وتشقّقاتٍ في البناء.
وعلى مبدأ “الرّمد أهون من العمى”، كان التدعيم والإصلاح أهون من انهيار المنزل وتداعي جدرانه أمام أعين من بنوه حجراً فوق حجر، ولكن ألّا يستند هذا التدعيم أيضاً إلى أسسٍ علمية متينة فهنا تكمن الطامّة الكبرى!
وفي الحقيقة، كما يؤكد أصحاب الاختصاص، فإنّ تجاوزات البناء والأخطاء فيه لا تتوقّف عند إجراء اختبار جودة المواد المستخدمة فيه، ولا ينحصر الفشل في التخطيط أو تنفيذ البناء، بل امتد اليوم، بعد كارثة الزلزال، وما بعد السقوط والانهيار، ليصل إلى التدعيم الذي إن لم تتحقق فيه الاشتراطات الهندسية والإنشائية الصحيحة، فنحن أمام خسارة مركبة مادية وبشرية كبيرة جداً، حيث إن تكاليف الترميم والتدعيم تقدّر بالمليارات من الليرات، وقد لا تقلّ كثيراً عن كلفة إعادة البناء.
أخطاء كبيرة تحدث
المهندس أحمد حاطوم، الاستشاري والخبير في الأعمال الإنشائية، تحدث لـ “البعث”، عن الأخطاء الكبيرة التي تحدث في دراسة أي حالة تدعيم، مقدما مثالاً على ذلك الأبنية التي تضرّر فيها عمود واحد فقط، حيث إن تقرير النقابة والترخيص يأتي بتدعيم عنصر واحد فقط، وهو ما يراه حاطوم خطأ كارثياً.
وبالمقابل فإن الإجراء السليم لذلك هو إجراء دراسة هندسية لوضع البناء، ومن ثم تحديد الأخطاء الهندسية والتنفيذية ومعرفة أسباب الضعف، وبعدها يتمّ وضع مخطط تدعيمي شامل لتلافي كلّ نقاط الضعف التي أدّت إلى تهشم العمود، وإعداد مذكرة حسابية لحساب طريقة التسليح بحيث يتمّ تلافي كل العيوب التي أدّت لتضرر العمود.
بين “البيتوني والمعدني”؟
وأساليب التدعيم مختلفة، منها البيتونية والمعدنية وغيرها من تقنيات كيماوية، لكن المهمّ – برأي أهل الاختصاص – هو تطبيق ما يتناسب منها مع وضع البناء المحلي، إذ وبناءً على دراسة وضع البناء قد يتمّ تدعيم عنصر أو أكثر، وإضافة عناصر تقوية للبناء الذي ما كان ليتأذى لولا وجود مواطن خللٍ وضعفٍ فيه.
في هذا الخصوص، يقول حاطوم: 90% من الحالات لدينا يفشل فيها التدعيم المعدني، لكن وبسبب ضعف تجربة التدعيم، فإنّ أغلب المهندسين يتّجهون نحوه لسهولة العمل وسرعته، مع العلم أنّ التدعيم المعدني أكثر كلفة من البيتوني، إلاَّ أن حالات التّلاعب بمقاطع الحديد ونوعيّة العمل تجعل التكلفة أقل، وبالتالي تكون الأرباح كبيرة لمصلحة المنفذ، وقد يؤدي ذلك التّلاعب إلى فشل التدعيم المعدني الذي سيتحوّل إلى مجرد وزنٍ زائد، مع إضافة مخاطر إضافية للبناء من ناحية الصدأ وفشل الجملة الإنشائية في مقاومة أي زلزال.
قبل فوات الأوان
ونظراً، لكون التدعيم هو الشغل الشاغل لدى المئات إن لم نقل الآلاف من الأسر السورية على امتداد المناطق المتضررة، فإنّ هناك عدة توصيات من شأنها أن تكون منهجية عمل تسهم في إنشاء أبنية أكثر متانة ومقاومة للزلازل.
أوّل هذه التوصيات – كما يوردها المهندس حاطوم – أن تكون عملية التدعيم حقيقية ومدروسة، ووجوب دراسة كل البناء المطلوب تدعيمه دراسة شاملة لا تقتصر على الأجزاء المتضررة فقط، ومطابقة البناء مع الرخصة ومعرفة الأسباب التي أدّت إلى تحقق الضرر فيه، ووضع دراسة تفصيلية لعملية تدعيم شاملة له. وبذلك فنحن نعود للنقطة الأولى أو الأساس، وهي تحديد طريقة سليمة لإصدار دراسات الرخصة من قبل مهندسين خبراء معتمدين ومن المعروفين بخبرتهم “على قلّتهم”، إذ أنه وبمجرد توفر دراسات تفصيلية بآلية علمية صحيحة، سيكون التنفيذ مضموناً.
وبالنظر إلى الإجراءات الجديدة التي استحدثت ضمن خطة الاستجابة السريعة للزلازل والتي وصفها حاطوم بـ “الإصلاح السطحي والترقيع”، فيجب العودة إلى آلية العمل التي كانت متبعة قبل الزلزال وهي إصدار ترخيص كامل يشمل الوضع الراهن للبناء والمطابقة مع الرخصة، ومن ثم وضع آلية تعديل كانت تسميها النقابة “رخصة تعديل وتدعيم”، مع التشدّد بعملية التدقيق من قبل الاستشاريين ذوي الخبرة.
أما في التوصية الثانية فيؤكد حاطوم وجوب وضع آليات تدعيم تتناسب مع نوعية المباني الموجودة لدينا، استناداً إلى أن البناء عرضة للرطوبة، وأن البيتون فيه معرّض للتهشيم، وبالتالي يجب اختيار التدعيم البيتوني كأساس لعملية التدعيم، واعتبار أن التدعيم المعدني حالة مساعدة وليست أساسية.
ويختتم حاطوم بالتنبيه إلى أنه، في المستقبل، وإذا ما أردنا تفادي الزلازل أو الرطوبة وغيرها، وللارتقاء بمستوى سلامة البناء وأمانه من الناحية المعمارية والجمالية والمتانة والديمومة، يجب الأخذ بعين الاعتبار التعديل في الكودات السورية للبناء، عبر تصعيد زيادة عامل الأمان للجمل الإنشائية، وكذلك تصعيد في زيادة عوامل مقاومة الزلازل ومقاومة الرطوبة والتشديد على المواصفات المعمارية للبناء من ناحية الجدران وتسليح الجدران الذي لا يتمّ النظر فيه مطلقاً، علماً أن هناك مواصفات عالمية لبناء الجدران يجب أن يتمّ استدراكها والعمل بها.