نوافذ 37
عبد الكريم النّاعم
قد تفترض ظروف الحياة على الإنسان المنفتح على معاشرة النّاس أن يجالس مَن يتّصف بالحُمْق، وذلك ثقيل على النّفس لاسيّما أنّ الأحمق لا يُدرك حُمقه، ولو أدرك ذلك لانتفى عنه الحُمق، ولو أدركه لربّما اختار الموت للتخلّص منه، ولقد أشار إلى ذلك مَن اتّصف بالحكمة، فكان له قول في ذلك.
قال إمام البلاغة الإمام عليّ (ع): “لا تَصحبْ المائق، (أي الأحمق)، فإنّه يزيِّنُ لك فعلَه، ويودّ أن تكون مثله”.
وقال الأحنف بن قيس، وكان من عقلاء العرب: “إنّي لأُجالسُ الأحمق الساعة، فأتبيّنُ ذلك في عقلي”.
جنّبنا الله وإياكم الحُمْق والحمقى والحماقة.
*******
بعض الأجوبة، التي تصدر عن رجال يشكلّون قدوة في السلوك والقول والعمل، تبدو مُفاجئة ومُدهشة، كأنّها لمعة برق في ليل بهيم، عذبة حتى ليخيَّل لمتذوِّقها أنّه يقرأ عذوبة شعر، تلك العذوبة التي تُذاق، ويُشعر بها، وتبدو لعذوبتها عصيّة على التعريف، شيء يُشبه الروائح العطرة التي نتنشّقها، ونستمتع بها، وتتأبّى على التأطير.
سُئل جعفر بن محمد: “ما طعْمُ الماء”؟ فقال: “طعْمُ الحياة”
البديهي المتداوَل في تعريف الماء علميّاً أنّه لا لون، ولا طعم له، أمّا في الإجابة السابقة، فقد صار له طَعْم، هو طعم الحياة، فهل للحياة طَعْم؟ لاشكّ، وهو طعم أنّ تكون حيّاً، قادراً، سليماً من الآفات، غير محتاج، وآمِناً.. ذلك بعض طعوم الحياة.
*******
سئل أحدهم فقيل له: “ما النّعمة”؟
فقال: “الأمن، فإنّه ليس لخائف عيش”
الكلام السابق أعادني إلى منتصف ثمانينيات القرن الماضي، فقد زار سوريّة نائب رئيس مجلس السياحة العالمي، وتجوّل في مدنها، وقد ذكر في تصريح له أنّه شاهد أكثر من مدينة سوريّة، ورأى بأمّ عينيه عدداً من النّسوة يخرجن من سهرة بعد الثانية ليلاً، وليس معهنّ رجل، ويمشين باطمئنان آمنات، ومثل هذا، بحسب قوله، ما يكاد يتحقّق في معظم عواصم أوروبا.
في تلك الأيام، ولا نستذكرها لمجرّد الذكرى، بل لتكون حافزاً لنا لكي نصل إلى ذلك المستوى، وهو أمر ممكن، حين تتوفّر له شروطه المطلوبة للتحقّق، سوريّة كانت بلداً ليس عليه قرش دين لأيّ بلد في العالم، وهذا شيء نادر بالنسبة لبلد من بلدان العالم الثالث. ولقد ذكر ذلك الإعلامي الشهير جورج قرداحي في أحد برامجه التي يتابعها جمهور عربي واسع، وقد كان السؤال: “ما أغنى بلد عربيّ”؟ وكان جواب المتسابق أنّها السعوديّة، فصحّح له وقال بل سوريّة، إذ ليس عليها أيّ دين خارجيّ، هذا الوضع وصلت إليه سوريّة بالتركيز على ضرورة الاهتمام بالزراعة، وفي تلك الأعوام كان مخزَّناً في صوامع الحبوب السوريّة ما يكفي سوريّة لخمس سنوات قادمة، هذا الشأو الذي بلغتْه سوريّة، يُضاف إليه الموقف الثابت من مسألة الصراع العربي الصهيوني، هو الذي أغرى الذين تآمروا، وكانت داعش وملحقاتها الذراع التي حرّكوها، لتدمير هذا البلد، لّما يشكّله من إحراج للآخرين المتعاونين حتى النخاع مع الإخوان المسلمين، فبدؤوا بتدمير ممنهج للبنى التحتيّة كافة، عسكريّة ومدنيّة، واضعين في اعتبارهم إنّهم إن ربحوا الحرب فسوف تتدفّق أنهار الأموال من الدول التي رعتْ تلك الجماعات، وهي قادرة على ذلك، وإن لم ينجحوا فيكونوا قد أوصلوا البلاد إلى حالة من الدمار، دمار المؤسسات والمباني كما تدمير النفوس، والتي يحتاج إعادة تأهيلها إلى أكلاف تحتاج لأزمنة قد تطول، وبذلك يكونون قد توصّلوا إلى تجميد قدرات هذا البلد بطريقة ما.. ولو لزمن.
قالوا قديماً: “نعمتان مكفورتان (أي ما يُحسّ بهما): الأمن والعافية…
aaalnaem@gmail.com