الأم السورية مدرسة وشمعة تنير درب الأبناء وتجمعهم على حب الوطن
ككل عام يأتي عيد الأم مُبشراً بعودة فصل الربيع حاملاً بين ذراعيه دعوات الأمهات السوريات لعودة أبنائهن المغتربين وحماية من بقي بجانبهن والترحم على شهدائهن الذين لم تنقطع دمائهم عن النزيف خلال الحرب الممتدة إلى كارثة الزلزال وما نجم عنها من شهداء صغار وكبار، إذ لم يتوقف عطاء الأم السورية خلال السنوات الماضية عند حدّ رعاية الأبناء وتنشئتهم تنشئة صالحة ليفوق عطائها حدود الطبيعة بزرع فلذات أكبادها في أرض الوطن ليزهروا ربيعاً مع قدوم كل عيد أم من في الحادي والعشرين من آذار في كل عام.
الأم العاملة
فعلى الرغم من مرور /12/ عاماً من سنوات الحرب إلّا أن الأم السورية لا زالت تلقّن نساء العالم دروساً في العطاء والتضحية المتجلية بأسمى معانيها مع كل الشدائد التي تتعرض لها وتقاسيها بدءاً من أعمالها المنزلية وليس انتهاءً بدخول الغالبية العظمى من الأمهات في سوق العمل الخاص والعام لتأمين مصدر دخل لأبنائهن خاصّة وأن الأم السورية عاشت تجارب استثنائية بفقدها ربّ منزلها ومعيلها الوحيد وانطلاقها إلى ميادين العمل بعد أن ذاقت مرارة العيش مع الغلاء الفاحش، ناهيك عن الأمهات اللواتي أوجدن في منازلهن مشاريعهن الخاصة والاستثنائية لمشاركة الرجل بالدخل لاسيّما مع ارتفاع المستوى المعيشي وعدم قدرة ربّ الأسرة على مجابهة قسوة الحياة لوحده، فدخول الأمهات إلى سوق العمل ليس بالأمر السهل لاسيّما وأن ذلك يُضيف أعباء كثيرة على واجباتها المنزلية والأسرية، ومع ذلك استطاعت النجاح في كل مرة وتبوأت الكثيرات من الأمهات مراكز مرموقة في أكثر من مجال.
أم الغائب
في كل عيد تروي دموع أمهات الشهداء والمغتربين أخاديدهن من حرقة البُعد ولوعة الفراق، فبدلاً من انتظار الكثيرات لرؤية أبنائهن في هذا اليوم كانت زيارة قبورهم هي ما يحدث بعد سنوات الحرب، ورؤية صورهم باللباس العسكري معلّقة في أركان المنزل هي مبعث الفخر والطمأنينة في قلوبهن، في حين لا زالت الكثيرات يكتفين بسماع أصوات أبنائهن البعيدين عن أحضانهن آلاف الكيلومترات بعد أن كان السفر والبحث عن مستقبلهم هو خيارهم الوحيد تاركين خلفهم دموع أمهاتهم وصلواتهن المتواصلة لرؤيتهم واحتضانهم يوماً ما.
خارج الحسابات
في عيد الأم السورية الصامدة هي وأبنائها في بلدها تحدثت أسماء العلي “علم اجتماع” عن رمزية هذا اليوم وخصوصيته لجميع الأمهات السوريات ممن فقدن أبنائهن في الحرب أو في كارثة الزلزال أو ممن اغترب أبنائها عنها للبحث عن الأفضل، وللأم التي لازالت حاضنة لأبنائها في بلدها وهي تواصل العمل ليل نهار داخل المنزل وخارجه لتأمين مستقبلهم، مشيرة إلى أن الأم السورية كانت ولا زالت مدرسة من كفاح، وشمعة محترقة لتنير درب الأبناء، وأم الشهيد أعطت دون مقابل وهي الأجدر اليوم بالمعايدة والتخفيف من مصابها الكبير لاسيّما وأنها في هذا اليوم تستذكر شهيدها أكثر من أي يوم، لذا فإن المطلوب من جميع الجهات العامة والمنظمات التضافر في هذا اليوم وتكريم أمهات الشهداء وتقديم ما أمكن من مساعدة لهنّ سواء من الجانب المادي أو العلاجي، وتطرقت العلي إلى الحديث أيضاً عن الأمهات العاملات واللواتي لا زلن يفتقدن للكثير من حقوقهم في العمل بدءاً من تدني الأجور مروراً بضغط ساعات العمل الطويل، إذ لا تخلو جميع الأعياد والمناسبات من مطالب الأم العاملة بأدنى حقوقها بإجازات الأمومة إلّا أن شيء لم يتغير، ونوّهت الباحثة الاجتماعية في حديثها إلى الأبناء وما يحمله هذا العيد لهم من معاني إلّا أن صعوبة الوضع المعيشي وضع الكثيرين اليوم بموقف مخجل خاصّة وأن شراء أقل هدية يحتاج لأكثر من راتب، فتزامن عيد الأم مع عيد المعلم وقدوم شهر رمضان أوجد حالة من عدم التوازن وعدم القدرة على إعطاء أي مناسبة حقها، لتخرج هدية الأم من دائرة حسابات الكثير من الأبناء هذا العام.
تقديراً لهن
ككل عام يأتي عيد الأم وفي قلوب الأمهات الكثير من الحب والحزن والأمل برؤية أبنائهن والكثير من الخجل والتحسّر من الأبناء حيال تقديم هدية تُفرح قلوب أمهاتهم، وبعيداً عن الهدايا الرمزية والمادية نقول في عيد الأم لجميع الأمهات، وخاصة أمهات الشهداء كل عام وأنتن بألف خير، وندعو بالصحة والسعادة لكل أم ضحت وقدمت أفضل ما لديها في تربية أبناءها لإعدادهم جيلاً صالحاً يخدم المجتمع في الحاضر والمستقبل.
ميس بركات