في اليوم العالمي للشعر.. ما أكثر الشعراء وما أقل الشعر
أمينة عباس
لأهمية دوره الاجتماعي في مجال التواصل بين البشر، تحتفل اليونسكو سنوياً باليوم العالمي للشعر، حيث تمّ اختيار يوم 21 آذار يوماً عالمياً له، ووفقاً لليونسكو فإن الهدف الرئيسي من ذلك هو دعم التنوع اللغوي من خلال التعبير الشعري ودعم الشعر، وتعزيز تدريسه وإحياء الحوار بين الشعر والفنون الأخرى مثل المسرح والرقص والموسيقا والرسم وغيرها ورسم صورة جذابة له في وسائل الإعلام بحيث لا ينظر إليه كونه شكلاً قديماً من أشكال الفن، وفي الوقت الذي يردّد فيه كثيرون أن زمن الشعر ولى، ما زال هناك من يكتبه ويدافع عنه ويحتفل بيومه ويؤمن بدوره في المجتمعات.
الشعر ديوان العرب
تبين الشاعرة طهران صارم أن الشعر ديوان العرب وهو الذاكرة الجمعية التي تحفظ العادات والثقافة والتراث وهو استشراف للمستقبل وقيمة جمالية وفنية عالية وهو وعاء اللغة ومجددها، وأن الاحتفاء بيوم الشعر هو تأكيد على أننا شعب حضاري نواكب الثقافة والأدب ونتخذ منه دليلاً ومرشداً لنا لنبني ونطور مجتمعاتنا، وأنها كشاعرة تشعر أن هذا اليوم يخصها ويحتفي بها وبكلماتها وهذا ما يضعها أمام مسؤولية كبيرة وهي مدى فنية وجودة النص الذي ستقدمه للقارئ، وترى أن حال الشعر حالياً ومع كثرة التجارب وازدحام الساحة فإن الجيد يحتاج لوقت كي يتم فرزه وإظهار أهميته مع أشارتها إلى أن التجارب الشعرية على اختلافها تبقى تجسيداً لحالة صحية قائمة في المجتمع.
ليس بأفضل حالاته
تشير شاعرة الياسمين هناء داوودي إلى أن الشعر بالنسبة لها هو موسيقا الروح، وأن يوم الشعر هو احتفاء باللغة ودعمها من خلال تعزيز دور الكتابة و القراءة وخلق حالة وجودية ننتصر فيها على هزائم الذات بابتكار مساحة تتقاطع فيها الكلمة مع الخيال، فبذلك نتمكن من التغلب على رتابة الإحساس ومواكبة أبجدية الإبداع بما يليق ولغتنا الجميلة، معترفة أن الشعر ليس بأفضل حالاته وأن مقولة “ما أكثر الشعراء و ما أقل الشعر” تعكس الواقع الحالي في ظل الزخم الكبير وضلال المعنى في كتابة الشعر، فأصاب الشعر والشعراء العطب بسبب فوضى الكتابة والفضاءات الافتراضية المشرعة لكل من هب ودب فغص المشهد الشعري بالمحاولات الكثيرة منها الحقيقي ومنها الزائف، مؤكدة أننا بحاجة لننأى بالقصيدة عن المجاملات والنقد المسيس لمصالح مختلفة، وترى أن النهوض بالشعر يعتمد على أسس منها تطوير مهارات الكتابة وتشذيب الذائقة العامة والنقد الأكاديمي والكثير من الثقافة، مبينة أنها ضد مقولة أننا لسنا في زمن اللاشعر في ظل وجود تجارب شبابية مبشرة وشعراء كبار تركوا بصمة واضحة في المشهد الثقافي وهم أساتذة نعتز بهم ونتعلم منهم: بالنهاية من يركض وراء سراب مخادع لن يمسك إلا الوهم ومن يملك الموهبة الحقيقية سيفيض من راحتيه الجمال. وتختم داوودي كلامها قائلة إن المغالاة في التباهي واستسهال الكتابة لا تعتبر ثقة ولا تصنع شاعرٱ والجميع بحاجة للنقد الذاتي وتقييم وإدراك نقاط الضعف والعمل عليها لكي نحظى بالرضا عن أنفسنا قبل اعجاب الآخرين، منوهة بأن القلق الهادف من سمات الشاعر الذي يسعى للأفضل لجعل أحرفه أجنحة يحلق بها وهي مهمة شاقة ولكنها الهدف المشتهى.
الشعر يمر بوقت مفصلي
والشعر بالنسبة للشاعرة إيمان موصلي شغف تتناوله الروح لتعبر عن داخلها، مشيرة إلى أن يوم الشعر هو مبادرة عربية بالأصل لمنظمة اليونسكو، والاحتفاء به كل سنة هو لفتة طيبة.. وهي تشعر أنها كلما كتبت نصاً شعرياً فهو إحياء للشعر الذي تمارسه دوماً لأنه لغتها السرية التي تفصح من خلالها عن كل ما يدور في أعماقها ضمن حروف وكلمات، مبينة أن الشعر يمر بوقت مفصلي فهو على مفترق طرق بين النص الحديث أو الحر وبين النص التقليدي في ظل وجود آراء تتأرجح بين مؤيد للحداثة وبين محافظ على التقليد، مع تأكيدها على أن الشعر بخير طالما هناك من يتناوله بشكل جديّ وهادف، فالشعر برأيها يدافع عن نفسه ولن يبقى سوى الشعر الحقيقي والصادق، معبرة عن إيمانها بأنه مهما أصابها من قلق وفوضى فلن يصح إلا الصحيح في النهاية، ولذلك لا يمكنها القول إننا في زمن اللاشعر، وأن هناك تجارب كثيرة وأقلاماً أكثر تحاول أن تكتب الشعر بطريقة ما ولكن يجب على من يكتب أن يتمكن من أدواته الشعرية بشكل مدروس، وعليه أن يتقن قواعد اللغة العربية ويسبر جمالياتها فليس كل من كتب بشاعر وليس كل نص فيه تعبير عن إحساس كاتبه ممكن أن يسمى بشعر.. الشعر برأي موصلي له سحره الذي يفرضه على المتلقي، فيه ما فيه من أحاسيس خلاقة وانزياحات متفردة تخدم النص ليكتمل وينهض كمارد من نور، مبينة أن الشاعر يتحدى كل الظروف والمصاعب ليصعد صوته كطير يغرد ليطرب الروح.
الشعر طوق نجاتنا
ويبين الشاعر علي الدندح أن يوم الشعر العالمي يأتي تزامنا مع عيد الأم والربيع، مشيراً إلى أنه في ظل الظروف التي تمر بها بلدنا يحتفل الشعراء بالشعر على طريقتهم، طريقة الصمود والتصدي والعودة إلى القراءة، ولا يعتقد الدندح أن عطباً ما أصاب الشعر في يومنا هذا بل أن وسائل التواصل الاجتماعي هي السبب في الترويج لأسماء ليست لها علاقة بالشعر بعد أن أصبحت منبراً لمن ليس له منبر ولكل شاب أو مبتدئ يرغب في أن يكون شاعرا، مؤكدا الدندح أنه يجب على وسائل الإعلام ألا تعمل على تكريس أسماء كرستها هذه الوسائل بل يجب أن يتم التركيز على ماهية النص الشعري وإن كان يتماشى مع شروط كتابة الشعر، وإن توفرت هذه الشروط سنجد نصوصاً شعرية قادرة على البقاء، موضحاً أن الشعر هو طوق نجاتنا والاحتفال به هو دعوة ليرى الإنسان نفسه في مرآة وجوده على هذه الأرض التي يقتسمها مع الآخرين، وبالتالي على الشعراء أن يصدحوا بالشعر في هذا اليوم تحديداً لأن جذوة الشعر لن تنطفئ حتى وإن خبت بين الحين والآخر، مبيناً الدندح أن الشعر مسار جميل في المسالك الوعرة، وأن يوم واحد للشعر لا يكفي، ونحن مدعوون لجعله لحظة تفكير في كل حين مع ضرورة الإنصات لكل صوت شاعر.
سيد الفنون
يؤمن الشاعر علي جمعة الكعود ان يوم الشعر العالمي مناسبة هامة تعزز ذاكرة الشعوب العربية وتعيد الشعر إلى سلّم أولوياتها خصوصاً وأنه مرتبط بتاريخ هذه الشعوب ويعتبر إرثاً هاماً حمل لواءه الأجداد و ورّثوه لأحفادهم بكل أمانة رغم انشغال هؤلاء الأحفاد بمغريات الحياة اليومية وبوسائل التواصل الحديثة التي صنًفت الشعر في ذيل الاهتمامات مقارنة بباقي الفنون ومنها الغناء مثلاً وأخبار مشاهير الفن ومتابعة صورهم. ويرى الكعود ان من أسباب تراجع شعبية الشعر إضافة لما ذكره هو استسهال بعض المتشاعرين لكتابة قصيدة النثر حيث تسبّبوا بزرع قطيعة بين الشعر وبين الجمهور الذي ترسًخت بذاكرته الصورة الجميلة للشعر الأصيل عبر عصور طويلة من تطوره حيث كان الشعر وعاءً للذاكرة الجميلة. في حين ان حال الشعر اليوم في ظل الظروف السياسية والاقتصادية متعسرة جداً بسبب تراجع الاهتمام به نتيجة تلك الظروف. التي ادت إلى تراجع إبداع الشعراء بسبب الضغوط اليومية إذ لم تعد رؤوسهم مليئة بالإبداع بقدر ماهي منشغلة برحلة البحث عن الخبز والغاز وخصوصاً في البلدان العربية التي تعرضت لهزات مايسمى إجحافاً بالربيع العربي ويؤسف الكعود ان الشاعر اليوم يعيش انكسارات نفسية متوالية ولكن رغم كل مامر سابقاً بقي الشعر برأيه مرسخاً أقدامه على خريطة الإبداع العربي. وان الذين زعموا بأن الرواية احتلت مكانه هم واهمون لأن الشعر له خصوصية لاتمتلكها باقي الفنون من حيث هويته الإبداعية وسمته المتفردة في مكاشفة الجانب الجمالي لدى الإنسان العربي الذي يجد في الشعر ملاذه الأخير في ظل حياة مادية قاسية تحاول إبعاده عن الذوق الجمالي وعن الأصالة التي ترعرع في كنفها . فالشعر برأي الكعود هو سيد الفنون وهو ذلك الكائن الأسطوري الذي لم تروه الجدّات لنا في أحاديثهن الجميلة. فبقي الشعر متخفياً ولا يظهر إلا بعد بروق ورعود على شكل مطر ترشّه سُحب الإبداع لينزل رطباً نديّاً على النفوس الظمأى..فهو ديوان العرب شاء من شاء.