التحدي الإغاثي الأكبر!
معن الغادري
لا شك أن المبادرات والحملات الإغاثية والخيرية الأهلية لمتضرري الزلزال والمستمرة حتى الآن تحمل الكثير من العناوين والمضامين الإنسانية، وتعطي بعداً أخلاقياً لمجتمع لم تثنه متاعبه ومصائبه وأزماته المتتالية والمتفاقمة من أن يقدم ما يستطيع من جهد إغاثي، ليشكل أنموذجاً يحتذى بالبذل والعطاء والتعاضد والتكاتف، ما خفف من آلام منكوبي الزلزال، وسرعّ من حالة التعافي من تداعياته وآثاره ولو بشكل نسبي.
ومع كل ما تحمله هذه المبادرات من قيم وجدانية وإنسانية، يبقى الملف الإغاثي ومنذ بدء الحرب الإرهابية على سورية مثار جدل واسع، كون الجزء الأكبر منه أصبح نافذة كبيرة للاسترزاق وتحقيق المكاسب والمنافع من قبل أشخاص امتهنوا التلاعب والغش والتدليس، وبنوا ثروات طائلة تحت غطاء وعناوين عدة للعمل الأهلي والإغاثي والخيري.
وفِي الواقع هذا الملف بتشعباته وتعقيداته ما زال يشكل تحدياً كبيراً، سواء لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل أم لمحافظة حلب بالنظر إلى حجم المخالفات والتجاوزات من قبل بعض المتنفذين في عدد من الجمعيات الخيرية والأهلية سابقاً وربما حالياً ولاحقاً، وهو ما أدى إلى حرفها عن وجهتها وبوصلتها وعن تحقيق أهدافها، وهناك العديد من الأمثلة ما زالت حاضرة وماثلة أمامنا، وخاصة ما يتعلق بآلية توزيع المعونات والسلل الغذائية والتبرعات المالية وإيصالها إلى مستحقيها، بالإضافة إلى حجم المخالفات القانونية والإدارية والمالية في مجمل المشاريع الخيرية المنفذة سابقاً، وتحديداً المشاريع الممولة من المنظمات الدولية التي لا رقيب عليها مالياً، ولا رقابة لجهة أهدافها ومآربها وخاصة الجمعيات والمنظمات التي تنشط في الأرياف، وهو ما يطرح الكثير من الأسئلة والاستفسارات حول دور وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل والجهات المعنية ذات الصِّلة في ضبط عمل هذه الجمعيات والمبادرات بما يتوافق مع المعايير الوطنية، وليس وفقاً لمعايير البعض وبما يتناسب مع مقاساتهم البعيدة عن العمل الخيري والإغاثي والإنساني.
وبطبيعة الحال وبعد تجربتي العمل الإغاثي أثناء الحرب الإرهابية وكارثة الزلزال، نرى أهمية أن تضطلع الوزارة بدورها ومهامها في تصحيح مسار ووجهة العمل الخيري الأهلي، وتحديد قواعده وملامحه وأهدافه الإنسانية الحقيقية، وفق شروط وأسس محكمة ومدروسة تترافق مع إجراءات صارمة وتغيير جذري في آليات الإشراف والتنفيذ والرقابة والمحاسبة بما يحافظ على جوهر ومضامين العمل الخيري الإنساني ويبعد عنه كل الشبهات، وهو ما يجب أن يكون في مقدمة أولويات وزارة الشؤون خلال هذه المرحلة تحديداً، خاصة وأن الصفحة القاتمة التي لازمت عمل هذه الجمعيات خلال ما مضى من سنوات لم يتم طويها حتى الآن، فهل تفعل الوزارة وتطوي الصفحتين معاً وتنهي حالة الجدل من حولها إلى غير رجعة؟.