الرئيس الأسد في الإمارات.. تقاطعات
بسام هاشم:
بعيداً عن كل ما رافق زيارة السيد الرئيس بشار الأسد، والسيدة الأولى أسماء الأسد، إلى الإمارات الشقيقة، من حفاوة بالغة في الاستقبال وبروتوكولات رسمية غنية بالرسائل والدلالات، إلا أن الروح الأخوية والوجدان القومي كانا حاضرين تماماً على امتداد تفاصيل الزيارة.. وكان الانطباع الأول الذي يمكن استخلاصه من الاستقبال الخاص الذي أقيم للرئيس الأسد حتى قبيل هبوط طائرة سيادته في مطار أبو ظبي، ومن الكلمات المتبادلة خلال جلسة المباحثات، والتي جاءت متدفقة وسخية ودافئة، بحيث لم يبخل الرئيس الأسد في التعبير عن الشكر لأخ عزيز كان حاضراً إلى جانب سورية منذ ما قبل الزلزال بكثير، ولم يتردد الشيخ محمد بن زايد بالتأكيد على عزم دولة الإمارات على الاستمرار بتقديم الدعم والمساعدة للحكومة والشعب في سورية، ليس من أجل مواجهة تداعيات الزلزال، بل ومن أجل تجاوز تأثيرات الحرب التي عصفت بسورية طوال أكثر من 12 عاماً.
وفيما يبدو مفهموماً أن تلتقي القيادتان، ابتداءً، على الانتماء العميق والواعي إلى هذا العصر، وعلى معانقة الحداثة في تجلياتها المختلفة من موقع الحضور القوي والمشاركة الفاعلة، إلا أن ما كشفته التطورات الأخيرة، أقله في المنطقة العربية والشرق الأوسط، هو أنهما تنطويان على حس أخلاقي عال، واندفاع أخوي نقي، في التعاطي مع احتياجات الممارسة السياسية اليومية، وعلى عقلانية تكاد تكون تجريدية باردة – حتى لا نقول مبدئية – خاصة في مقاربة العلاقات العربية العربية، وهو ما حرص الرئيس الأسد على الالتزام به كنهج معتمد في السياسة السورية ما قبل الحرب، وما بعدها، وحرص أيضاً على وصف مواقف الإمارات به صراحة.
ورغم أن هذه التقاطعات تنهض على قواسم مشتركة من الانتماء لأمة واحدة والتمسك بالعروبة، واستمدت الكثير من عناصر قوتها من العلاقة التاريخية التي كانت تربط بين القائد الخالد حافظ الأسد والمؤسس الشيخ زايد، رحمهما الله، بل وأيضاً من تاريخ البلدين الذين عاشا تجربة الوحدة والاقتطاع خلال العقود الطويلة الماضية، وكان هاجسهما دائماً بناء الدولة القوية المهابة، وسط مصالح إقليمية متعارضة، بل ومعادية أحياناً، والنهوض باقتصاد قوي مندمج في الاقتصاد العالمي، ومجتمع وطني منفتح على مؤثرات ثقافية متعددة، غنية وخصبة، مع التمسك بالأصالة والخصوصية المحلية. لقد وصفت الإمارات خلال السنوات الماضية بأنها “اسبارطة” العربية، فيما تعتبر أدبيات غربية كثيرة أن سورية شكلت دائماً “بروسيا” مهد الوحدة الجرمانية، بمعنى القوة الاقتصاية والشوكة العسكرية المندمجة في مشروع حضاري ألفي.
وفي ضوء هذه الاستعادة، ليس من الخيال في شيء أن يمثُل كلا البلين في المخيلة الجماعية العربية، القطرية أم القومية، تجربة أنموذجية أولية لأي مشروع وحدة مستقبلية، بانتظار الوحدة الكاملة، ولو بعد “ألف عام”، كما تحدث الرئيس الأسد لوكالة “روسيا اليوم”، قبل أيام.
ومن المهم هنا الإشارة إلى أن مثل هذه الروح الجديدة، وهذا الوعي الجديد، يعلوان ويهبطان مع إهالة التراب على مشروع الشرق الأوسط الكبير، بمختلف نسخه وطبعاته الأمريكية والإسرائيلية، ووسط المتغيرات الهائلة والبنيوية التي تشهدها المنطقة حالياً، والاستعدادات القائمة للبناء على “التطورات الإيجابية” الحاصلة، وإشادة شرق جديد هناك سباقات ورهانات واهتمامات ومصالح جدية بأن يكون قومياً عروبياً.
يتفق الرئيس الأسد والشيخ محمد بن زايد أيضاً على ضرورة تمتين العلاقات الثنائية بين الدول العربية وصولاً إلى العمل العربي المشترك، وفي ذلك نوع من الاعتراف الضمني بأن بعض الدول العربية مضت بعيداً في خياراتها الأحادية الجانب – ولن نقول الانعزالية – وأن البعض الآخر طوّر خيارات قد يكون من الصعب التراجع عنها، أو التخلص منها بين عشية وضحاها، ولكنه الاعتراف الإيجابي والفعال الذي يتصدى لمهة تغيير الواقع السلبي انطلاقاً من والعي المرهف لحركة التاريخ، والإمساك بنبضه الحار في عصر التحولات الكبرى.
والمسألة هنا تتعدى مجرد العودة إلى الجامعة العربية التي يدرك الجميع أنها شكلت أحد أول وأكبر ضحايا “الربيع العربي”، بل هي تغوص في عمق شروط ومتطلبات بناء مساحة عربية واسعة مسموعة الكلمة ومرهوبة الجانب في عالم من الانحطاط والتوحش الغربي الذي لم يعد مقبولاً السكوت عنه أو تقبله أو تحمله بعد اليوم.