ماكرون وليبراليته نحو الفشل الحتمي
تقرير إخباري:
صحيح أن حكومة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تمكّنت من تحقيق ما قد تعدّه “انتصاراً” على الصعيد السياسي بعد نجاتها من حجب الثقة في البرلمان، كان من الممكن ألّا يتحقّق بفارق تسعة أصوات برلمانية فقط، وهذا المشهد سيذيق هذه الحكومة طعم المرارة بما للكلمة من معنىً وفي وقتٍ قريب، فماكرون ما زال يحتفظ بعناده ضدّ الشارع الفرنسي الذي قال كلمته مع أعضاء النقابات والطلاب باعتبار الحكومة ساقطة مهما تم من إجراءات إنعاش لجثتها الهامدة، التي أدخلت البلاد كغيرها من حكومات أوروبا الرأسمالية بمجموعة من الويلات الاقتصادية الناجمة عن فشل إدارة تداعيات أزمة “كورونا” وما تكلّل به هذا الفشل من انخراط في دعم نظام كييف في حربه ضدّ روسيا.
تتزايد موجات الاحتجاجات سواء في العاصمة الفرنسية باريس أم في غيرها من المدن يوماً بعد يوم، بانتظار احتجاج “الخميس الأسود” المزمع تنفيذه، فقد أخذ المحتجون على عاتقهم تحقيق تصوّرهم في إسقاط الحكومة، بعد سلوك أساليب جديدة في الاحتجاج والتظاهر، وسط واقع سياسي محتقن ومفتقر لأدنى الحلول الواقعية للأزمة المعيشية للمواطن الفرنسي، وخاصة بعد استنفاد ماكرون تمثيلياته في الحصول على ثروات مجانية أو شبه مجانية لشعبه في مستعمراته القديمة الإفريقية التي لفظته مع قواته وتدخّلاته، أو تمكّنه من الحصول على الغاز الأمريكي بسعر يقل عن أربعة أضعاف السعر في الأراضي الأمريكية، وما تبع ذلك من إقرار ما يسمّى إصلاح “قانون التقاعد” الذي رفضه حوالي 70% من الشعب وفق استطلاعات الرأي الفرنسية.
الشارع ماضٍ في سحب الثقة من حكومة هذا الرئيس الذي بشّر شعبه بفقدان حياة الرفاهية منذ بداية الحرب الأوكرانية، ويمتدّ هذا الموقف الرافض إلى معظم كتل البرلمان التي باتت شبه محرومة من التصويت على مشاريع القوانين أو حتى التصويت عليها في بلد يوصف بـ”الليبرالي”، ما حدا بهذه الكتل إلى مواجهة ماكرون ومريديه، وتوحّدها مع كتل كانت حيادية كـحزب”الجمهوريين”.
ما يجري اليوم يشكّل نواة لاندلاع مواجهات حتمية بعد انقطاع الحوار بين المعارضة والنظام الفرنسي، فالمتظاهرون وممثلو النقابات والطلبة دعوا صراحةً إلى ترك أسلوب الاحتجاجات السلمية لأنها لم تفلح بتحقيق أي ضغط على الرئيس الفرنسي وحكومته العنيدة، مؤكدين جعل يوم الخميس يوماً لبداية كسر القواعد، بعد أن شهدنا هجماتٍ للمتظاهرين على قصر الإليزيه والمؤسسات الحكومية في البلاد.
لقد انحطت شعبية الرئيس الفرنسي بصورة كبيرة، بل زادت الانتقادات حتى من أنصاره لطريقته الفاشلة في إدارة ملفات الأزمة الفرنسية المتفاقمة، ومع ذلك يسعى ماكرون إلى زيادة قمع المظاهرات بحجّة أنها مجرد أعمال عنف في وقت زادت فيه أعداد معتقلي التظاهرات الفرنسية عن 850 معتقلاً.
والسؤال الكبير.. هل سيستمر ماكرون في إدارة بلاده على النهج ذاته، أم سيستجيب لطلبات الشارع عبر إقرار تعديلات حكومية وبرلمانية وقانونية تخفّف من فتيل الأزمة؟
يُذكر أن القاسم المشترك للاضطرابات التي تحدث على الساحة الأوروبية، وليس فقط في فرنسا وبريطانيا التي شهدت مؤخراً إضراباً لأكثر من مئة وخمسين ألف عامل، هو إقحام هذه الحكومات الأوروبية نفسها في الحرب الأوكرانية، وهدر مليارات الدولارات من أموال دافعي الضرائب في إشعالها إرضاءً لـ”الحليف الأمريكي”.
بشار محي الدين المحمد